
متابعات _ اوراد نيوز
بعد نحو شهرين من تعيينه رئيسًا للوزراء في السودان، يوشك الدكتور كامل إدريس على استكمال تشكيل حكومته الجديدة، التي وصفها بـ”حكومة الأمل”، وسط تصاعد الترقب الشعبي لما ستقدمه من حلول عملية في بلد يرزح تحت وطأة حرب مستمرة منذ أكثر من عامين، وأزمات معيشية خانقة.
ومنذ إعلان الهيكل الحكومي في يونيو الماضي، سلك إدريس مسارًا متدرجًا في التعيينات الوزارية، مستندًا إلى خطة تتألف من خمس مجموعات متعاقبة، عيّن خلالها حتى الآن 20 وزيرًا من أصل 22، في محاولة لتوازن دقيق بين الكفاءات والواقع السياسي المعقد.
وشملت آخر دفعة وزارية وزارات رئيسة مثل شؤون مجلس الوزراء، والطاقة، والتحول الرقمي والاتصالات، والتعليم والتربية الوطنية، إلى جانب وزارة الشباب والرياضة. كما ضمت للمرة الأولى وزراء دولة في وزارات حساسة مثل الخارجية، والمالية، والتنمية الاجتماعية، في إشارة إلى توجه إدريس نحو توسيع الهيكل التنفيذي وتعزيز التنسيق بين الحقائب

البرهان (يمين) يستقبل كامل إدريس قبل أداء وزرائه الجدد اليمين الدستورية (مجلس السيادة الانتقالي)
غيابات وغموض يربكان مشهد البداية
ورغم التقدم في التشكيل، طغى الغموض على المشهد بسبب غياب ستة وزراء عن مراسم أداء القسم الدستوري، ما أثار تساؤلات حول مدى الانسجام الداخلي داخل الحكومة. ويبرز في هذا السياق الغياب غير المبرر لوزير الزراعة والثروة الحيوانية، أحمد التجاني المنصوري، الذي تم تعيينه رسميًا لكنه لم يظهر علنًا منذ ذلك الحين، نافيًا في الوقت ذاته تقديم أي اعتذار عن المنصب.
وفي سياق مشابه، غاب وزير الصحة المعز عمر بخيت عن الساحة بعد إصابته بكسر في ساقه أثناء تواجده بمقر إقامته في البحرين، مما استدعى نقله إلى بريطانيا لتلقي العلاج، حيث يُتوقع أن تطول فترة نقاهته لعدة أشهر، وهو ما قد يؤثر على واحدة من أكثر الوزارات حيوية في ظل التدهور الصحي في البلاد.
حكومة وسط الأزمات.. رسائل وألغام
أطلق إدريس على حكومته مسمى “حكومة الأمل”، متعهدًا بالتقشف والمحاسبة والتسامح، غير أن تشكيلة الفريق الوزاري أثارت تساؤلات بشأن ضعف التمثيل الشبابي والنسائي، وعودة عدد من الوزراء السابقين رغم الانتقادات الموجهة لأدائهم، الأمر الذي اعتبره مراقبون استنساخًا لتجارب لم تنجح في السابق.
ومن المفارقات المثيرة، تداول أنباء عن نية إدريس تولي حقيبة الخارجية بنفسه إلى حين تسمية وزير جديد، في وقت يُحاط فيه السودان بتحديات دبلوماسية متفاقمة، وعزلة إقليمية تتطلب تحركًا خارجيًا فاعلًا.
كما أثار تعيين ثلاثة نساء فقط في الحكومة – وهو أدنى تمثيل نسائي منذ عقود – انتقادات من ناشطين يرون في التشكيلة تجاهلًا لمعادلات المجتمع السوداني وتطلعاته، خاصة الشباب الذين يشكلون نحو ثلثي السكان، بينما لم تضم التشكيلة سوى وزير شاب واحد.

هشاشة دعم سياسي وغموض عسكري
وفق محللين، فإن الحكومة الجديدة تعاني من ضعف الحاضنة السياسية، وتباينات داخل القوى المتحالفة مع الجيش، وهو ما انعكس على بطء المشاورات وصعوبة التوافق على بعض الحقائب. وفي ظل استمرار الحرب وتقاطع المصالح الإقليمية، يشكّك مراقبون في قدرة إدريس على ممارسة كامل صلاحياته دون تدخل من المكون العسكري، الذي ما زال – حسب تقارير – حاضرًا في كواليس القرار.
ويؤكد الخبير السياسي فيصل عبد الكريم أن هشاشة البيئة السياسية، وضعف الالتزام العسكري بحدود الدور التنفيذي، يشكلان أكبر التحديات أمام رئيس الوزراء، خاصة في ظل تآكل الثقة الداخلية وتراجع الاهتمام الخارجي بالملف السوداني.
تحديات الداخل: كهرباء مدمّرة واقتصاد نازف
إلى جانب الصعوبات السياسية، تواجه الحكومة مهام شاقة لإعادة تشغيل مؤسسات الدولة، خاصة الخدمية منها. ويشير الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أن إعادة تشغيل الكهرباء، التي تُعد المحرك الرئيس للإنتاج، تمثل أولوية قصوى، في ظل انهيار البنية التحتية بفعل القصف ونزوح الكوادر الفنية.
كما يشير إلى أن إدريس بحاجة إلى رؤية اقتصادية شاملة، تتضمن إصلاح القطاع الزراعي، وتوزيع النشاط الصناعي خارج العاصمة، والتوجه نحو شراكات إقليمية بديلة مثل الانضمام إلى مجموعة “بريكس”، ووقف نزيف الموارد عبر تهريب الذهب.

رئيس الوزراء كامل إدريس (يمين) مستقبلا المبعوث الأفريقي محمد بلعيش (وكالات)
هل تنجح “حكومة الأمل” في استعادة الثقة؟
يرى المحلل السياسي والكاتب إبراهيم شقلاوي أن استكمال تشكيل الحكومة الجديدة، رغم التأخر الذي فرضته الحسابات السياسية الدقيقة وتوازنات المجتمع، يمثل خطوة أولى في محاولة جدية لإعادة بناء مؤسسات الدولة السودانية واستعادة ثقة الشارع في جدوى العمل التنفيذي.
وفي تصريحاته لـ”الجزيرة نت“، أشار شقلاوي إلى أن الحكومة تواجه تحديًا مصيريًا في إثبات قدرتها على تحويل الشعارات والوعود إلى إنجازات عملية، معتبرًا أنها دخلت مرحلة “الاختبار الحقيقي” لمدى كفاءة الطاقم الوزاري الجديد في التعامل مع واقع مأزوم متعدد الجبهات.
وأكد أن نجاح الحكومة لا يتوقف على قدرتها في إدارة الملفات اليومية، بل على مدى امتلاكها لرؤية استراتيجية تؤسس لدولة العدالة والتنمية والسلام، وتعيد الاعتبار للثقة الشعبية التي تآكلت بفعل الإخفاقات المتراكمة والفراغ المؤسسي المزمن.