تحقيقات وتقارير

أرقام صادمة عن معاناة أطفال السودان

الخرطوم، 19 أغسطس 2025

بينما تتعالى أصوات الطائرات في سماء الخرطوم، لم تعد تُمثل لآمنة يوسف ذات الخمسة أعوام أي معنى للدهشة، بل أصبحت صدى لجرح عميق في ذاكرة طفلة عاشت حصاراً قاسياً مع عائلتها. هذه الصورة المأساوية، التي تتجسد في فقدان شقيقها أحمد قدرته على الكلام وإصابته بالتلعثم، تُعد انعكاساً لمأساة آلاف الأطفال السودانيين الذين يدفعون ثمن الحرب الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023.

أرقام صادمة وتداعيات إنسانية كارثية

تُشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي إلى أن الأطفال هم الفئة الأكثر تضرراً من هذه الحرب، حيث يواجهون خطر الموت جوعاً أو بسبب الأمراض المرتبطة بسوء التغذية. من جانبها، كشفت وزارة الرعاية الاجتماعية عن انتهاكات جسيمة طالت الأطفال، بما في ذلك تعرض 203 أطفال لانتهاكات جنسية وفقدان 1930 طفلاً أطرافهم نتيجة للعنف.

وفي إحصائية صادمة، أكدت الوزيرة سليمة إسحاق أن نحو 9 آلاف طفل جُنّدوا قسراً من قبل قوات الدعم السريع، لقي أكثر من 3 آلاف منهم حتفهم، بينما لا يزال 3 آلاف آخرون في عداد المفقودين.

على صعيد التعليم، حُرم أكثر من 10 ملايين طفل، أي ما يعادل نصف أطفال السودان، من حقهم في الدراسة، مما يُنذر بضياع مستقبل جيل بأكمله.

مأساة دارفور تتفاقم والتحذيرات الدولية تتصاعد

في إقليم دارفور، وثّق الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة، عبد القادر عبد الله، مقتل أكثر من ألف طفل في مدينة الجنينة وحدها على يد مليشيات الدعم السريع. كما وثّقت نقابة أطباء السودان وفاة 45 ألف طفل بسبب سوء التغذية منذ بداية الصراع، بالإضافة إلى تسجيل 256 حالة اغتصاب لأطفال.

 

أطفال في شارع تبدو عليه آثار الدمار في أم درمان... السودان 27 أغسطس 2024 (د.ب.أ)
أطفال يسيرون في شارع تعرض لدمار كبير بسبب الحرب في أم درمان (الأوروبية)

اليونيسف تُحذر: السودان على حافة كارثة تهدد جيلًا كاملًا من الأطفال

دقّت منظمة اليونيسف ناقوس الخطر، مُحذّرةً من كارثة وشيكة تُهدد أطفال السودان، حيث يموتون بسبب الجوع، والمرض، والعنف المباشر.

أطفال في انتظار وجبة في تكية الفاشر المصدر: ويكليكس-الفاشر "أخبار دارفور"
أطفال في انتظار وجبة في تكية في مدينة الفاشر في السودان (ويكيليكس- الفاشر- أخبار دارفور)

 

وفي بيانٍ شديد اللهجة، قال شيلدون يت، ممثل اليونيسف في السودان: “نحن على حافة ضرر لا يمكن إصلاحه لجيل كامل من الأطفال. هذه الكارثة ليست افتراضية، إنها حقيقة وشيكة، ونحن نفشل في الاستجابة بالسرعة والحجم المطلوبين لإنقاذهم.”

من جانبها، أكدت لوشيا إلمي، مديرة برامج الطوارئ في اليونيسف، أن السودان يواجه خطر فقدان جيل بأكمله. وكشفت عن أرقام مفزعة، حيث يحتاج أكثر من 16 مليون طفل في السودان لمساعدات عاجلة، بينما لا يزال نحو 17 مليون طفل خارج المدرسة منذ عامين.

كما توقعت المسؤولة الأممية أن يُعاني 3.2 ملايين طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد هذا العام، من بينهم 770 ألفًا يُواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهو أخطر أشكال الجوع الذي يزيد من احتمالية وفاة الأطفال بالأمراض بمقدار 11 مرة.

وشددت لوشيا إلمي على أن الأزمة لا تقتصر على الغذاء فقط، بل تتطلب توفير المياه الآمنة، والصرف الصحي، والرعاية الصحية، مشيرةً إلى انهيار الخدمات الأ

بفضل اليونيسف، وبتمويل من صندوق التعليم لا يمكن أن ينتظر، تمكنت وسام البالغة من العمر 9 سنوات – من بين العديد من أطفال السودان – من الحصول على اللوازم المدرسية الأساسية.
© UNICEF/Ahmed Mohamdeen Elfatih

 

آثار نفسية عميقة وتهديدات مستقبلية

تُعد التداعيات النفسية أحد أخطر وجوه الأزمة. تُشير رشا محمد طاهر، مديرة الصحة النفسية بولاية البحر الأحمر، إلى أن الأطفال يُعانون من اضطرابات نفسية حادة مثل الخوف الشديد، القلق، والكوابيس، بالإضافة إلى تزايد مخاطر الاستغلال وزواج القاصرات. وتُحذر من أن هذه التأثيرات قد تُؤثر بشكل دائم على النمو الدماغي والانفعالي للأطفال.

ومع استمرار الصراع، تتسع دائرة الخطر التي تُحيط بأطفال السودان، من القصف والجوع إلى التجنيد والانتهاكات، مما يُلقي بظلال قاتمة على مستقبل جيل كامل وسط غياب استجابة إنسانية دولية تُضاهي حجم الكارثة.

 

شيماء البالغة من العمر ثلاث سنوات، والتي تعاني من سوء التغذية الحاد الشديد، تشرب الحليب العلاجي في مستشفى الأطفال الذي تدعمه اليونيسف في بورتسودان.
© UNICEF/Mira Nasser

 

اليونيسف تؤكد حضورها الميداني رغم التحديات 

من جانبها أكدت  إلمي أن المنظمة مستمرة في عملها على الأرض في السودان رغم التحديات الهائلة التي تواجهها. واستعرضت أبرز إنجازاتها خلال العام الماضي، حيث تمكنت من تقديم مساعدات حيوية شملت:

  • الدعم النفسي والتعليم: تقديم خدمات الدعم النفسي والاجتماعي، والتعليم، والحماية لما يقارب 2.7 مليون طفل ومقدم رعاية.
  • المياه والصرف الصحي: توفير مياه الشرب الآمنة لـ 9.8 مليون شخص.
  • مكافحة سوء التغذية: فحص 6.7 مليون طفل للكشف عن سوء التغذية، وتقديم العلاج المنقذ للحياة لحوالي 422 ألف طفل.

وأضافت إلمي أن المنظمة ستواصل تقديم المساعدة العاجلة، مع التركيز أيضًا على استعادة الخدمات الأساسية وبناء قدرة المجتمعات على الصمود في المناطق الأكثر تضررًا من الصراع.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى