
اشتعلت جبهات القتال مجددًا في إقليم كردفان، حيث تشهد مدينة الأبيض وضواحيها معارك وُصفت بأنها “الأعنف والأكثر دموية” منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، وسط تقارير محلية تؤكد سقوط مئات القتلى والجرحى، وتداول واسع لفيديوهات توثق المعارك عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الأبيض.. ساحة الصراع القادمة
تؤكد مصادر ميدانية أن مدينة الأبيض باتت الهدف الأبرز لمليشيات الدعم السريع، التي تسعى إلى عزلها من الشمال والغرب، وتطويق الجيش لإجباره على الانسحاب أو خوض معركة استنزاف.
ووفق المصادر، عزز الجيش دفاعاته داخل المدينة، ويتابع عن كثب تحركات خصمه في محيطها، في وقت يخطط فيه لشن هجمات مضادة لاستعادة السيطرة على البلدات التي سقطت في يد الدعم السريع.
ويُنظر إلى الأبيض باعتبارها حلقة استراتيجية، إذ تربط إقليم كردفان بالعاصمة الخرطوم غربًا، وتمثل بوابة نحو فك الحصار عن مدينة الفاشر في دارفور، آخر معاقل الجيش هناك.

نازحون يصطفون للحصول على مساعدات غذائية في مخيم بشمال كردفان يونيو 2024 (أ.ف.ب)
الأبيض.. محور استراتيجي في خريطة الصراع السوداني
يرى اللواء حقوقي مصطفى إبراهيم عبود، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن مدينة الأبيض لا تقتصر أهميتها على بعدها التجاري والاقتصادي فحسب، بل إنها تمثل نقطة ارتكاز عسكرية ولوجستية حاسمة في المشهد الأمني السوداني.
وفي تحليل عميق، أوضح اللواء عبود أن الموقع المركزي للمدينة وقربها من مناطق الصراع في دارفور وجنوب كردفان، جعل منها نقطة تجمع محورية للعمليات العسكرية والإنسانية. وأشار إلى أن مطارها يلعب دورًا رئيسيًا في إطلاق المقاتلات الحربية إلى مناطق العمليات، كما أنه يعزز الحركة الجوية المدنية والعسكرية على حد سواء.
وأضاف اللواء عبود أن الأبيض تزخر بالمعسكرات والثكنات العسكرية المهمة، مما يجعلها قاعدة إمداد وتموين رئيسة للقوات المسلحة السودانية، خاصة في مواجهة التحديات الأمنية غرب وجنوب البلاد. وشدد على أن شبكة الطرق التي تربطها بالولايات الأخرى تضاعف من أهميتها اللوجستية، مما يمنحها دورًا حيويًا في تعزيز استقرار المنطقة.
ويختتم عبود تحليله بالتأكيد على أن كل هذه العوامل تجعل من الأبيض مركزًا استراتيجيًا لا غنى عنه في أي استراتيجية دفاعية أو أمنية مستقبلية.
أعنف معارك في كردفان
دخلت المواجهات يومها الثالث غرب مدينة الأبيض، كبرى مدن إقليم كردفان، وتحولت إلى ساحة كرّ وفرّ بين الجيش السوداني مدعومًا بـ”القوة المشتركة” من الحركات المسلحة المتحالفة معه، وبين “قوات الدعم السريع”.
وأعلنت “القوة المشتركة” أنها أحرزت تقدمًا ملحوظًا، بعد أن دحرت مقاتلي الدعم السريع، ودمرت أكثر من 130 عربة قتالية، وأسر عدد من الجنود. كما شنّت هجومًا على بلدة أبوقعود بعد ساعات من سيطرة الدعم السريع عليها.

امتداد الحرب وتحديات الاستقرار
مع تصاعد المعارك في كردفان، تبدو الأزمة السودانية مقبلة على مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث تحاول كل الأطراف تثبيت نفوذها في الإقليم الحيوي الذي يمثل نقطة تماس بين دارفور والخرطوم. ويأتي هذا التصعيد في وقت تتسابق فيه الجهود الإقليمية والدولية لوقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن دون نتائج ملموسة حتى الآن.