
متابعات _ اوراد نيوز
أثار حاكم إقليم دارفور ورئيس اللجنة السياسية لتحالف الكتلة الديمقراطية، مني أركو مناوي، موجة من التساؤلات والجدل في الأوساط السياسية والشعبية، عقب تصريحات ألمح فيها إلى احتمال فتح باب الحوار مع قوات الدعم السريع، في خطوة وصفها مراقبون بأنها تحمل دلالات سياسية لافتة في توقيت بالغ التعقيد.
وقال مناوي، في ختام اجتماع للجنة السياسية للتحالف، “سنظل في تواصل مع المجتمع الدولي، والقوى السياسية، وحتى الدعم السريع إذا وجدنا له رؤية معقولة”، في ما اعتُبر انفتاحًا غير مسبوق تجاه هذا الطرف.
التصريحات المفاجئة دفعت محللين سياسيين ومراقبين إلى طرح تساؤلات حول خلفيات هذا الموقف الجديد، وتداعياته المحتملة على خارطة التحالفات السياسية ومجريات الصراع في السودان، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية وتباعد المواقف بين الأطراف المتحاربة.
وفي هذا السياق، استطلعت “الجزيرة نت” آراء عدد من الخبراء والمحللين السياسيين، للوقوف على أبعاد هذه التصريحات وانعكاساتها المحتملة على مسار العملية السياسية وجهود التسوية في البلاد.

«دعوة مشروطة» للدعم السريع
يتولى مني أركو مناوي منصب حاكم إقليم دارفور، المكوّن من خمس ولايات، منذ توقيع اتفاق جوبا للسلام عام 2021، وهو قائد حركة تحرير السودان التي تقاتل حاليًا إلى جانب القوات المسلحة، كما يشغل رئاسة اللجنة السياسية في تحالف الكتلة الديمقراطية.
وفي تعليقه على تصريحات مناوي الأخيرة، اعتبر المحلل السياسي أحمد موسى عمر أن ما صدر عنه لا يخرج عن الإطار العام لرؤية الحكومة السودانية، التي تترك باب الحلول السياسية مفتوحًا شريطة الالتزام بمخرجات “اتفاق جدة” لوقف الحرب في السودان، الموقع في مايو/أيار 2023 بين الجيش والدعم السريع، برعاية سعودية-أميركية.
وقال موسى، في تصريحات خاصة لـ”الجزيرة نت”، إن تصريح مناوي يُعبّر عن موقف القطاع السياسي داخل الكتلة الديمقراطية، وليس موقفًا فرديًا لقائد الحركة أو توجهًا رسميًا للدولة. وأوضح أن الحوار المحتمل مع الدعم السريع، في حال تم، لن يُلزم الحكومة السودانية، بل سيكون بمثابة تمهيد أولي يهدف لاستكشاف فرص الحل.
وشدد على أن هذا الحوار سيكون “إجرائيًا” لا سياسيًا في هذه المرحلة، ويهدف إلى التأسيس لتسوية لاحقة، شريطة أن يقدم الدعم السريع رؤية واضحة و”معقولة” لوقف الحرب، ما يُعد خطوة أولى نحو فتح مسار تفاوضي أوسع، قد تضطلع فيه الكتلة الديمقراطية بدور الوسيط بين الجيش والدعم السريع.
وأضاف موسى أن الكتلة تُدرك التحديات الميدانية والإنسانية، خاصة في دارفور، وتسعى لتخفيف التوتر وفتح المسارات الإنسانية، وهو ما يفسر طرحها “دعوة مشروطة” للدعم السريع. واعتبر أن قبول الأخيرة لهذه الدعوة سيفتح الباب أمام حوار محدود يمكن البناء عليه لاحقًا، إلا أن الكلمة الأخيرة تبقى بيد القيادة العسكرية في الخرطوم.
واختتم بالقول إن التحرك يحمل أيضًا أبعادًا إقليمية ودولية، في ظل ضغوط متزايدة على الأطراف السودانية لدفع مسار التسوية.

«الفاشر.. معركة الحسم» وصراع الإرادات الإقليمية
تُمثل مدينة الفاشر مركز الثقل الإستراتيجي الأخير للجيش السوداني في إقليم دارفور، إذ تحتضن مقر قيادة القوات المشتركة، وتُعد خط الدفاع المتقدم عن مدينة الأبيض. وبحسب مراقبين، فإن سقوط الفاشر يعني عمليًا سقوط دارفور بأكملها في قبضة قوات الدعم السريع، وهو ما يفسر تصاعد التوترات السياسية والعسكرية حولها.
وفي هذا السياق، اعتبر مدير مركز العاصمة للدراسات السياسية والإستراتيجية، المحلل السياسي حسن شايب، أن تصريحات مني أركو مناوي بشأن إمكانية التفاوض مع الدعم السريع تفتقر إلى المنهجية، مستغربًا طرحه لمبادرة من هذا النوع في الفضاء الإعلامي بدلًا من طرحها ضمن مؤسسات الحكم الرسمية التي ينتمي إليها.
وقال شايب، في حديث لـ”الجزيرة نت”، إن مناوي يتولى موقعًا رسميًا في الدولة كشريك في السلطة الانتقالية، وكان الأجدر به عرض رؤيته عبر مجلسي السيادة والوزراء، لا عبر منابر الإعلام، واصفًا ذلك بـ”السلوك السياسي غير الراشد”. وأكد أن أية تسوية سياسية داخلية لا يمكن أن تتم خارج مركز القرار في الدولة، أو بصورة منفردة.
واستبعد شايب إمكانية القبول بأي تسوية لا تنتهي بخروج الدعم السريع من المشهدين السياسي والعسكري، مشيرًا إلى أن الجرائم والانتهاكات التي نُسبت للقوات جعلت من استمرارها في الحياة السياسية السودانية أمرًا مرفوضًا شعبيًا، بل “لا رجعة فيه”.
وأضاف أن تصريحات مناوي قد تكون انعكاسًا لضغوط دولية وإقليمية متزايدة، في ظل ما وصفه بـ”تعطل قنوات التفاوض”، مثل تأجيل اجتماع “الرباعية الدولية”، لافتًا إلى أن الفواعل الدولية باتت تلعب أدوارًا مباشرة في الأزمة السودانية عبر أدوات ضغط مزدوجة تجمع بين “العصا والجزرة”.
وشدد على أن دارفور عمومًا، والفاشر تحديدًا، تمثل الآن ساحة اشتباك سياسي وعسكري محلي، وميدانًا لتجاذبات المحاور الدولية. وقال إن فك الحصار عن الفاشر يحتاج إلى رؤية استراتيجية متكاملة من الدولة السودانية، تجمع بين الوسائل العسكرية والسياسية، وتُراعي التعقيدات الإنسانية المتفاقمة في الإقليم.
مناوي بين “مرونة سياسية” و”خطاب بلا أثر”
فيما تتواصل ردود الفعل على تصريحات مني أركو مناوي بشأن انفتاحه المشروط للحوار مع قوات الدعم السريع، انقسم المحللون بين من يرى فيها مرونة سياسية محسوبة، ومن يعتبرها موقفًا بلا تأثير فعلي على مجريات الأزمة.
واعتبر المحلل السياسي وليد النور أن مناوي يمثل نموذجًا سياسيًا إشكاليًا، وقال إن تصريحاته الأخيرة “لا تختلف كثيرًا عن مواقفه السابقة المتناقضة”، مشيرًا إلى أنه “أكثر الشخصيات السودانية إثارةً للجدل، وأكثرها تناقضًا بين التصريح ونقيضه”. وأكد أن هذه التصريحات لا تحمل أثرًا فعليًا على الأرض، ولن تفتح طريقًا حقيقيًا نحو التسوية، لأن الأخيرة تتطلب إرادة سياسية صادقة، لا “مزايدات إعلامية”، حسب وصفه.
وفي المقابل، يرى رئيس تحرير موقع “قلب أفريقيا” الإخباري لؤي عبد الرحمن، أن في تصريحات مناوي مؤشرًا على مرونة سياسية مفقودة لدى معظم الفاعلين السياسيين في السودان، مشيرًا إلى أن “غالبية السياسيين يتمسكون بمواقفهم حتى لو أصبحت غير واقعية”، بينما حاول مناوي أن يقدم نفسه كشخص لا يقاتل من أجل القتال، بل لتحقيق تحول واقعي أفضل لدارفور والسودان.
ورغم أن عبد الرحمن لا يرى في التصريحات تحولًا جوهريًا عن مواقف مناوي السابقة، إلا أنه يعتبرها “بادرة إيجابية” قد تفتح الباب أمام الحوار السياسي، وتمثل “ضوءًا أخضر” للحكومة السودانية للانخراط في مفاوضات مع الدعم السريع. ولفت إلى أن هذا الموقف قد يُشجع أطرافًا أخرى ظلت مترددة في الدعوة للحوار خوفًا من الحرج السياسي، على اتخاذ مواقف أكثر جرأة باتجاه السلام والتسوية.
ورغم تباين التقييمات، يتفق النور وعبد الرحمن في نقطة مركزية؛ وهي أن هذه التصريحات لن تؤثر بشكل مباشر على الواقع الميداني العسكري، لكنها قد تُحدث أثرًا سياسيًا غير مباشر عبر دفع الحكومة نحو مسار تفاوضي أكثر مرونة، وتهدئة التوترات، خصوصًا في إقليم دارفور الذي يشهد أسوأ فصول الحرب الدائرة.