
متابعات _ اوراد نيوز
شرعت السلطات السودانية، منذ يوم الجمعة، في تنفيذ قرار حظر المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق “واتساب“، في خطوة أثارت جدلاً واسعًا بين المستخدمين، وسط تأكيدات حكومية بأن الإجراء يأتي ضمن تدابير “لحماية الأمن القومي”، فيما يرى خبراء أن الدوافع الاقتصادية قد تكون المحرك الحقيقي خلف هذا القرار.
“زين” أول الملتزمين… والمشتركون في حيرة
شركة “زين” للاتصالات كانت السباقة في تطبيق القرار، بإعلانها وقف الخدمة لجميع المشتركين دون استثناء، امتثالاً لتوجيهات جهاز تنظيم الاتصالات والبريد، الذي قدّم اعتذاراً علنياً عما قد يسببه الحظر من إزعاج للمستخدمين، دون تقديم تفاصيل إضافية.
ورغم أن القرار لم يأتِ مصحوباً بتبريرات تقنية مفصلة، فإن كثيراً من المشتركين تفاجؤوا بإجراءات الحجب المفاجئة، معتبرين أن توقيته وطريقته تعكسان غياب الشفافية والاستعداد.
ما أسباب حظر مكالمات واتساب في السودان؟
يُجمع مختصون في الأمن السيبراني على أن الحظر يحمل بصمات سياسية وأمنية واضحة. ويقول المهندس إسماعيل بابكر، خبير أمن الشبكات، لموقع الجزيرة نت إن الحظر يرتبط بمحاولات الدولة لتقييد قنوات الاتصال المشفّرة التي يصعب مراقبتها، في ظل وضع سياسي وأمني هش.
وأوضح بابكر أن تشفير “واتساب” يعوق قدرة الجهات الرسمية على تعقب المحتوى المتداول، وهو ما قد يُستخدم من قبل جماعات معارضة أو نشطاء للتنسيق في الخفاء، خصوصاً في أوقات التوتر، مما يدفع بعض الحكومات لتقييد تلك المنصات.
ويُرجّح بابكر أن القرار ارتكز على ثلاثة محاور أساسية:
1. دوافع أمنية:
-
التشفير المحكم الذي يوفره “واتساب” يجعل مراقبة المكالمات والرسائل شبه مستحيلة، مما يقلّص قدرة الدولة على تعقّب المحتوى.
-
الخشية من التنسيق السري بين مجموعات معارضة أو نشطاء سياسيين، خصوصًا في ظل الأوضاع المتوترة، جعل من التطبيق هدفًا للتقييد.
2. اعتبارات سياسية:
-
تميل الحكومات في فترات الأزمات إلى تقييد قنوات المعلومات، خشية من استخدامها في بث أخبار أو تحركات من شأنها زعزعة الاستقرار.
-
هناك أيضًا هواجس من الحملات الإعلامية الموجهة عبر تطبيقات الاتصال، والتي قد تسهم في تشكيل رأي عام مناوئ للسلطة داخليًا أو خارجيًا.
3. ضغوط اقتصادية:
-
تعتمد شريحة واسعة من السودانيين على المكالمات المجانية عبر الإنترنت، ما أدى إلى خسائر كبيرة لشركات الاتصالات التقليدية.
-
وبحسب مراقبين، فإن الحظر قد يُعيد بعض العائدات للشركات عبر إجبار المستخدمين على العودة للاتصال المدفوع أو استهلاك بيانات أكثر باستخدام تطبيقات كسر الحظر.
من جانب آخر، لم يستبعد بعض المراقبين أن يكون قرار الحظر مدفوعًا بخسائر اقتصادية تكبّدتها شركات الاتصالات السودانية، نتيجة الاعتماد المتزايد على المكالمات المجانية عبر الإنترنت.
من المتضررون من هذا الحظر؟
رأى صانع المحتوى الرقمي ومدير موقع “سوداني نت” الإخباري علاء الدين يوسف أن قرار حظر المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق “واتساب”، رغم ما يسببه من إرباك شخصي ومهني له، قد يحمل بعدًا إيجابيًا في إطار تقليل التهديدات الأمنية المحتملة.
وأشار يوسف، المقيم في تركيا، إلى أن غياب ميزة الاتصال الدولي المباشر في بعض شركات الاتصالات يزيد من اعتماده على تطبيقات مثل واتساب للتواصل مع السودان، ما يجعل القرار مؤثرًا على تواصله العائلي والمهني. ورغم ذلك، أكد في حديثه لـ”الجزيرة نت” دعمه للإجراء من زاوية أمنية، قائلاً إنه “ربما يهدف إلى تقليص فرص نقل المعلومات الميدانية، بعد فشل بعض التعليمات العسكرية السابقة في تحقيق هذا الهدف”.
ونوّه يوسف إلى أن الاستخدامات اليومية العادية للتطبيق لا تشكّل مصدر قلق فعلي، مشددًا على أن القلق ينبع أساسًا من الاستخدامات التي تُصنّف ضمن “الأنشطة الضارة بالأمن القومي”، وفق تقدير الجهات المختصة.
وأوضح أن الحظر الجزئي لتطبيق واحد لن يكون مجديًا في ظل تنوع البدائل التقنية، إذ أن هناك العديد من التطبيقات الأخرى التي تقدم خدمات الاتصال المجاني، بل بجودة أعلى أحيانًا. وقال: “حتى دول الخليج، رغم قدراتها التكنولوجية، لم تستطع منع كل تطبيقات الاتصال، ما دفع المستخدمين إلى تبني بدائل متاحة بسرعة”.
وأكد يوسف أن السيطرة على منصات الاتصال الرقمي تمثل تحديًا عالميًا، في ظل وجود “سوق موازية نشطة” لتطوير أدوات الالتفاف على القيود والحظر، واصفًا هذه السوق بأنها “تجارة رقمية مزدهرة يصعب كبحها بالكامل”.
كيف يهدد حظر مكالمات واتساب الأمن القومي؟
قال الخبير الدولي في الأمن السيبراني المهندس إسماعيل بابكر إن الاتصالات الصوتية والمرئية عبر تطبيق “واتساب” قد تمثّل ثغرة أمنية من الناحية الفنية، نتيجة للتشفير القوي الذي يمنع السلطات من تتبع أو اعتراض المحادثات، مما يتيح استخدامها لنقل معلومات حساسة بعيدًا عن الرقابة.
“عودة الناس لاستخدام الاتصال المدفوع أو استنزاف البيانات عبر تطبيقات التجاوز، يعني أرباحًا جديدة للشركات في ظرف اقتصادي خانق”.
وأوضح بابكر في حديثه لـ”الجزيرة نت” أن الخطورة الفعلية تعتمد على السياق السياسي والأمني، مشيرًا إلى إمكانية استغلال هذه الوسائل من قبل جماعات مسلحة أو معارضة لتنسيق أنشطتها خلال أوقات التوتر، غير أنه شدد على أن معظم المستخدمين يستعملون واتساب لأغراض عائلية وتجارية بحتة، مما يجعل التهديد على المستوى المجتمعي “محدودًا”.
وأكد الخبير أن الالتزام الكامل بالحظر يظل غير واقعي، خاصة مع انتشار أدوات تجاوز الحظر (VPN)، إلى جانب توفر تطبيقات بديلة مثل “إيمو”، و”تليغرام”، و”ماسنجر”، التي توفر نفس الخصائص وبسهولة مماثلة.
ويرى بابكر أن ما يحدث فعليًا هو فرض حظر شكلي أو تقييد جزئي، يلجأ معه غالبية المستخدمين لحلول بديلة خلال وقت قصير. وأضاف أن هذه الخطوة قد تكون مؤقتة، وقد تُلغى في حال ثبت عدم فعاليتها أو تغيّرت الظروف السياسية.
ودعا في ختام حديثه إلى التفكير في بدائل أكثر جدوى من الحظر المباشر، من بينها تعزيز الوعي الرقمي، وبناء شراكات مع شركات التكنولوجيا لتطوير آليات توازن بين حماية الأمن القومي والحفاظ على حرية التواصل.

المستخدمون بين الرفض والسخرية
أثار قرار السلطات السودانية بحظر المكالمات الصوتية والمرئية عبر تطبيق “واتساب” ردود فعل متباينة بين السودانيين، الذين يعتمدون على التطبيق بشكل واسع داخل وخارج البلاد، نظراً لسهولة استخدامه وتكلفته المنخفضة، ما جعله الوسيلة الأكثر شعبية للتواصل.
وقالت المحامية السودانية أسماء عبد المنعم، المقيمة في محافظة الجيزة المصرية بعد لجوئها إثر الحرب، إن القرار “يقيّد حريتها في التواصل مع أسرتها داخل السودان”، مضيفة أن التطبيق يمثل شريان التواصل الأساسي لغالبية السودانيين، خاصة في ظل ضعف شبكات الاتصال التقليدي وارتفاع كلفتها.
وأشارت إلى اعتقادها بأن الدوافع الاقتصادية تقف خلف القرار، أكثر من كونه احترازًا أمنيًا، في محاولة لتعويض شركات الاتصالات عن الخسائر الفادحة التي لحقت بها عقب تدمير بنيتها التحتية بسبب الحرب. ولفتت إلى أن الحظر قد يدفع البعض مجدداً لاستخدام الاتصالات التقليدية باهظة الثمن، أو اللجوء إلى برامج تجاوز الحظر (VPN) التي تستنزف الإنترنت بشكل أسرع، ما يزيد من الأعباء المالية على المواطنين في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة.
في المقابل، قابل آخرون القرار بلا مبالاة، معتمدين على وفرة البدائل الرقمية، مثل “إيمو” و”ماسنجر”، بل واتخذ البعض من الحظر مادة للسخرية والتندر، حيث تداول مستخدمون نكات مثل: “تطبيقات الماسنجر والإيمو تعلن جاهزيتها لاستقبال نازحي الواتساب اعتبارًا من الجمعة”.