تحقيقات وتقارير

ماهى فرص نجاح لجنة البرهان في نزع السلاح وإعادة الأمان للعاصمة الخرطوم ؟

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

وسط حالة من الانفلات الأمني المتواصل وغياب شبه تام لمظاهر الدولة، بدأت السلطات السودانية تنفيذ خطة وصفت بأنها الأوسع منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، بهدف إعادة السيطرة على العاصمة الخرطوم وتطبيع الحياة فيها.

وتشمل الخطة، بحسب ما أُعلن رسميًا، إفراغ المدينة بالكامل من الوجود المسلح خلال أسبوعين فقط، في مهمة غير مسبوقة من حيث الحجم والتوقيت.

وفي هذا السياق، أصدر رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، قرارًا بتشكيل لجنة عليا رفيعة المستوى، تضم في عضويتها مسؤولين مدنيين وعسكريين بارزين، لتتولى مهمة “تطهير العاصمة من التشكيلات المسلحة”، وتهيئة الخرطوم لعودة مؤسسات الدولة والمواطنين.

لكن القرار -الذي قوبل بترحيب حذر من الشارع السوداني- أثار في الوقت ذاته العديد من التساؤلات حول قابلية تنفيذه على أرض الواقع، في ظل تعقيدات أمنية وسياسية متشابكة، ومواقف متضاربة من القوى المسلحة الموجودة داخل الخرطوم وخارجها.

ترحيب حذر من المواطنين والقطاعات التجارية بقرار تشكيل اللجنة (الفرنسية)
ترحيب حذر من المواطنين والقطاعات التجارية بقرار تشكيل اللجنة (الفرنسية)

من هم أعضاء اللجنة المكلفة؟ وما صلاحياتها؟

يرأس اللجنة عضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر، وتضم في عضويتها رئيس مجلس الوزراء، ووزراء الدفاع، والداخلية، والطاقة، والخارجية، والصحة، والتربية والتعليم، إلى جانب والي الخرطوم، واللواء أزهري عباس قسم السيد مقرر اللجنة.

ووفقًا للقرار، فإن اللجنة مكلفة بجملة من المهام تشمل:

  • إخلاء العاصمة من الوجود العسكري غير النظامي خلال أسبوعين بالتنسيق مع هيئة أركان الجيش.
  • فرض هيبة الدولة واستعادة سلطة القانون.
  • ترحيل الأجانب المقيمين بطرق غير قانونية.
  • إزالة السكن العشوائي ومعالجة آثاره.
  • إعادة الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة وتعليم.
  • نقل بعض الوزارات إلى مواقع مؤقتة بديلة.
  • وضع خطة لإعادة تأهيل البنية التحتية المنهارة.

وتقول مصادر حكومية إن هذا القرار يأتي في إطار “استراتيجية متكاملة لإعادة الخرطوم إلى الحياة الطبيعية”، بعد أن أصبحت خلال الحرب ساحةً مفتوحة لتشكيلات مسلحة ومجموعات متفلتة.

الوجود المسلح لا يمثل سوى جزء من مهمة شاملة أسندت للجنة (رويترز)
الوجود المسلح لا يمثل سوى جزء من مهمة شاملة أسندت للجنة (رويترز)

صعوبات التنفيذ.. معضلة التنسيق والغموض في المواقف

رغم ما يبدو من إرادة سياسية لتنفيذ الخطة، إلا أن الأيام الأولى لعمل اللجنة كشفت عن فجوات خطيرة في التنسيق، بل ووجود خلافات داخل أجهزة الدولة السيادية.

فقد صرّح مني أركو مناوي، حاكم إقليم دارفور ومشرف “القوة المشتركة” التابعة للحركات المسلحة، بأنهم لم يتلقوا أي إشعار رسمي بشأن القرار، وأنهم علموا به فقط من وسائل الإعلام، رغم وجود عبد الله يحيى، أحد قادة الحركات المسلحة، ضمن عضوية اللجنة.

وهو ما يراه مراقبون مؤشرًا على غياب التنسيق الحقيقي بين مراكز اتخاذ القرار في الحكومة الانتقالية، خصوصًا فيما يتعلق بالقوى المسلحة من خارج المنظومة النظامية.

منى مناوى
منى مناوى

المخاطر على الأرض.. كيف تبدو العاصمة الآن؟

الخرطوم اليوم ليست فقط مدينة منكوبة بفعل الدمار والقصف، بل باتت مرتعًا لعصابات منظمة، ومليشيات منفلتة، وأفراد يرتدون الزي العسكري لتنفيذ جرائم نهب واختطاف وابتزاز.

في هذا السياق، وقعت عدة حوادث أثارت الرأي العام، أبرزها عملية نهب مسلح استهدفت أحد تجار الذهب في شارع الوادي بأم درمان، مما أدى إلى دخول تجار السوق في إضراب مفتوح.

ويقول خالد تبيدي، رئيس غرفة تجار الذهب في ولاية الخرطوم، إن القرار “ضروري اليوم قبل الغد”، مشيرًا إلى أن انتشار المسلحين حول الأسواق بات “خطرًا يوميًا”.

ويضيف المواطن محمد عبد المتعال: “أعيش في حي الثورة، ولا أغادر بيتي ليلاً إلا للضرورة القصوى، كل ليلة نسمع إطلاق نار ونرى تقارير عن اختطاف ونهب على فيسبوك وتلغرام.”

تحديات معقدة.. هل تنجح الخطة في أسبوعين؟

يرى اللواء أمين مجذوب، خبير الأمن والاستراتيجية، أن اللجنة ستواجه ثلاثة تحديات جوهرية:

  1. غياب التنسيق بين المؤسسات الأمنية.
  2. رفض أو تردد بعض القوى المسلحة المشاركة في خطة الإخلاء.
  3. عدم وجود خطة شفافة حول أماكن ترحيل المقاتلين ومعسكراتهم الجديدة.

ويضيف: “لا يمكن إنهاء الوجود المسلح بالعاصمة من دون اتفاق سياسي وأمني شامل. يجب أن يُعرض جدول زمني تفصيلي للرأي العام، ويجب على الجيش والشرطة والأمن أن يعملوا كفريق واحد.”

أما اللواء طارق عبد الكريم، فيؤكد أن “إعادة الحياة إلى الخرطوم تتطلب أكثر من مجرد طرد المسلحين”، مضيفًا: “يجب إعادة الخدمات والبنية التحتية، وتوفير الحد الأدنى من الأمن والخدمات المدنية.”

سؤال مفتوح: إلى أين ستُرحل القوات المسلحة وغير النظامية؟

لم يصدر أي إعلان رسمي حتى الآن بشأن الوجهات التي ستُنقل إليها التشكيلات العسكرية، سواء التابعة للجيش أو الحركات المسلحة أو “القوات المستنفرة”.

ويتساءل المواطنون:

  • هل ستعود هذه القوات إلى معسكراتها السابقة؟
  • هل سيتم إنشاء معسكرات جديدة خارج الخرطوم؟
  • من سيموّل هذه العمليات؟
  • وما هي الجهة التي ستشرف عليها؟

هل يعود النازحون إلى الخرطوم؟

يرى الخبير طارق عبد الكريم أن عودة النازحين مرهونة بنجاح هذه العملية. ويؤكد أن إخفاق الخطة سيؤدي إلى ترسيخ واقع “الفوضى المسلحة”، ويزيد من أزمة النزوح، خاصة في ظل تقارير عن انتشار الأمراض وانعدام الخدمات في أماكن النزوح.

خلاصة: بين القرار والتنفيذ.. الخرطوم تنتظر المعجزة

قرار “إفراغ الخرطوم من السلاح” قد يكون الخطوة الأهم في محاولة استعادة عاصمة باتت مقسّمة ومفككة ومثخنة بالجراح. لكن التحدي الأكبر يبقى في التنفيذ، خاصة مع هشاشة المؤسسات، وتداخل السلطات، وتعدد القوى المسلحة، وغياب الإرادة الموحدة.

الخرطوم اليوم تقف على مفترق طرق:
إما أن تنجح هذه اللجنة في إعادة الحياة للعاصمة، أو أن يتحول قرارها إلى مجرد ورقة أخرى تُضاف إلى أرشيف القرارات غير المنفذة في تاريخ الأزمات السودانية الطويل.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى