تحقيقات وتقارير

الخرطوم .. بين سكون الحرب وهمس العودة

متابعات_ اوراد نيوز

متابعات_ اوراد نيوز

وسط الخرطوم، العاصمة السودانية، حيث تتقاطع شرايين الدولة من دواوين حكومية وأسواق مركزية ومقرات سيادية، يخيم صمت ثقيل لا يشبه ضجيج المدينة الذي كان يومًا. فبعد أشهر من المعارك، لا تزال مظاهر الجمود والركود هي السمة الغالبة، بينما تتحرك بعض الأطراف الشعبية في الهامش لإعادة إيقاع الحياة ببطء وحذر.

الجيش السوداني الذي أعلن بسط سيطرته على وسط المدينة بعد دحر قوات الدعم السريع، لم ينجح بعد في إعادة دوران دولاب الخدمات أو تطبيع الحياة المدنية، رغم بعض المؤشرات الخجولة لاستئناف النشاط الرسمي في بعض مؤسسات الولاية.

فالدمار الذي خلفته الحرب واضح على جدران الخرطوم وأبنيتها المتداعية، ما يجعل العودة إلى الحياة الطبيعية رهينة بإعادة الإعمار وإصلاح البنية التحتية المتضررة، بما في ذلك الكهرباء والمياه وشبكات الاتصالات.

جمود في المركز.. ونبض حذر في الأطراف

في شارع الجمهورية وشارع القصر، حيث كانت الحركة لا تهدأ، يسود اليوم سكون ثقيل وهدوء مشوب بالحذر. القليل من المارة، عدد محدود من المركبات، ووجوه تتلفّت بحثًا عن أثر للحياة أو بوادر أمل.

بعض الموظفين عادوا تدريجياً إلى مواقعهم في رئاسة ولاية الخرطوم ومقار الشرطة، لكن المشهد الإداري لا يزال بعيدًا عن التعافي، فالجهود مشتتة والتحديات جسيمة.

أما في موقف جاكسون، أحد أهم محاور المواصلات العامة في العاصمة، فقد بدأت تظهر بوادر عودة محدودة. حافلات توصل السكان إلى أم درمان والكلاكلات وبحري، لكن في المقابل، تغيب تمامًا الخطوط المباشرة إلى مناطق الصحافات، القريبة نسبيًا من المركز، وهو ما يرجعه منظمو حركة المركبات في الموقف إلى انخفاض أعداد الركاب المتوجهين إلى تلك المناطق.

ويقول الرشيد أبو أيمن، المسؤول عن تنظيم حركة المواصلات في الموقف، في حديثه للجزيرة نت:

“قلة الركاب أجبرتنا على خفض تعريفة النقل من 7 آلاف جنيه إلى ألفين في بعض الأوقات، فقط حتى نُبقي العجلة تدور.”

ويؤكد أبو أيمن أن فرق التنظيم تبذل جهودًا كبيرة لضمان انسياب المواصلات العامة، رغم الظروف المعقدة. ويُعرب عن أمله في أن تشهد الحركة تحسنًا تدريجيًا خلال الأيام القادمة، مع استقرار الأوضاع الأمنية وعودة المزيد من الخدمات.

ويرى أبو أيمن أن أحد أبرز أسباب ضعف الحركة هو غياب المصالح الحكومية عن استئناف أعمالها بشكل فعلي، موضحًا أن “الشرطة هي الجهة الرسمية الوحيدة الحاضرة حاليًا في وسط الخرطوم”.

ويأمل أبو أيمن أن تشهد الأيام المقبلة تحسنًا في الحركة، مع اتساع رقعة الاستقرار وعودة بعض الموظفين إلى مقار عملهم.

ويضيف:

“غالبية من يأتون إلى وسط الخرطوم لا يقصدون العمل، بل يأتون لتفقد متاجرهم وممتلكاتهم، ثم يغادرون سريعًا”.

“جاد الله” وحيدًا في الميدان

في وسط هذا الركود، يقف تاكسي عم جاد الله حسب الرسول، كرمز فردي للثبات. هو السائق الوحيد الذي داوم على الحضور إلى وسط الخرطوم منذ استعاد الجيش السيطرة، متخذاً من كوبري الحرية إلى موقف جاكسون خطه اليومي في مدينة تبدو في سبات.

يقول عم جاد الله: “الناس بدأت ترجع، لكن ببطء.. محتاجين أمان أكتر وناس أكتر عشان نتحرك.”

ورغم التحديات الأمنية وظروف ما بعد الحرب، يصرّ جاد الله على مزاولة عمله يوميًا، متخذًا من مساره الثابت، حيث ينتظر من تبقّى من الزبائن بصبر يُشبه رسالته في إعادة النبض إلى العاصمة المنهكة.

آثار المعارك لا تزال بادية على جدران المباني وواجهات المؤسسات في وسط الخرطوم
آثار المعارك لا تزال بادية على جدران المباني وواجهات المؤسسات في وسط الخرطوم

تجار شارع الحرية.. عودة من تحت الأنقاض

شارع الحرية، الذي كان مركزًا مزدهرًا لبيع الأدوات الكهربائية، عاد إليه نحو 80 تاجرًا، متحدين الخراب وسنوات من الانقطاع. لقد بدأوا بإصلاح المحال وإعادة البضائع تدريجيًا، وسط دعم رمزي من حكومة الولاية.

حافظ الفنجري، منسق مبادرة “إحياء النشاط التجاري”، يؤكد أن الأمن والخدمات هما مفتاح العودة الكاملة، ويقول: “إذا وفرت الدولة الحماية وأصلحت الكهرباء والمياه، سيعود السوق كما كان.. وربما أفضل.”

مدينة على حافة الإفاقة

رغم المحاولات الفردية والتجارب المتفرقة، لا تزال الخرطوم عاصمة معلّقة، تنتظر من يوقظها من كابوس الحرب، ويعيد إليها روحها الاقتصادية والإدارية والاجتماعية.

فبين أطلال السوق العربي، وندوب شارع القصر، وحنين موقف جاكسون، تبقى المدينة معلقة بين الماضي والمنتظر، لا تزال تقاوم، وتنتظر قيامة قريبة.

المصدر: الجزيرة

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى