
متابعات _ اوراد نيوز
بدأت مصر خلال الأسبوع الماضي تسيير أولى رحلات العودة الطوعية للسودانيين إلى بلادهم عبر قطارات السكك الحديدية، حيث غادر أول قطار يوم الإثنين وعلى متنه نحو ألف راكب متجهًا إلى السودان مرورًا بمحافظة أسوان، ضمن خطة منظمة لتسهيل عودة الجالية الراغبة في المغادرة.
ومن المقرر تسيير قطار أسبوعي كل يوم إثنين، في وقت تشير فيه التقديرات إلى عودة أكثر من 191 ألف سوداني من مصر حتى نهاية يونيو 2025، بحسب مصادر رسمية.
طفرة غير مسبوقة في أسعار الإيجارات بمصر بسبب تدفق السودانيين
شهد سوق الإيجارات في مصر، لاسيما في القاهرة الكبرى والإسكندرية، قفزات غير مسبوقة في الأسعار منذ اندلاع الأزمة السودانية في أبريل 2023، وذلك على خلفية تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السودانيين إلى البلاد.
وأفاد وسطاء عقاريون بأن تدفق مئات الآلاف من السودانيين أدى إلى ارتفاع الطلب بشكل حاد على الشقق السكنية، سواء المفروشة أو غير المفروشة، ما تسبب في زيادات قياسية للأسعار خلال فترة وجيزة.

تضاعف الأسعار في مناطق بعينها
في أحياء مثل فيصل والهرم، قفزت أسعار الإيجارات للشقق المفروشة بنسبة تراوحت بين 200% و300% مقارنة بمعدلات عام 2022، بحسب تقارير عقارية محلية، وسط استمرار الطلب المرتفع من الوافدين الجدد.
أزمة للطبقات المتوسطة
هذا الارتفاع المفاجئ فاقم من معاناة المستأجرين المصريين، لا سيما من أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مجاراة الأسعار الجديدة، ما دفع الكثيرين منهم إلى البحث عن مساكن بديلة في ضواحي المدن أو المناطق النائية ذات الكلفة الأقل.
ويرى مراقبون أن هذه الطفرة في الأسعار تسلط الضوء على هشاشة سوق الإيجارات في مصر، وحاجته إلى تنظيم مرن وعادل يوازن بين العرض والطلب، خاصة في أوقات الأزمات والنزوح الإقليمي.
تراجع ملحوظ في أسعار الإيجارات
هذه العودة الطوعية تركت أثرًا مباشرًا على سوق الإيجارات، خاصة في مناطق شهدت تركزًا كثيفًا للجالية السودانية مثل: فيصل، الهرم، إمبابة، مدينة نصر، وحدائق الأهرام، ومناطق فى الإسكندرية مثل العجمى ومدينة النخيل حيث لوحظ تراجع في أسعار الإيجار بنسبة تصل إلى 20%، وفقًا لما ذكره وسطاء عقاريون.
قال أحمد نصر، سمسار بمنطقة فيصل: “الوحدات التي كانت مؤجرة لأسر سودانية أصبحت خالية، ما زاد المعروض وخفّض الأسعار، فالوحدة التي كانت تُؤجر بـ3000 جنيه أصبحت بـ2500 فقط”.
وأفاد عدد من الوسطاء العقاريين بتراجع ملحوظ في معدلات الاستفسار عن الشقق المفروشة، بنسبة تجاوزت 40% منذ يونيو 2025، وهو ما انعكس تدريجيًا على الأسعار، وخصوصًا في الأحياء الشعبية والمتوسطة التي كانت تعتمد بشكل رئيس على الوافدين السودانيين.
مناطق غير متأثرة
في المقابل، لم تسجل مناطق مثل الزمالك، المهندسين، التجمع، والشيخ زايد تغيرات تذكر، نظراً لقلة تواجد السودانيين في تلك المناطق.
وأشار محمد كريم جامع، وسيط عقاري في حدائق الأهرام، إلى أن تراجع الطلب أجبر ملاك الشقق المفروشة على تقديم تخفيضات لجذب مستأجرين جدد، معتبرًا أن التراجع الحالي قد لا يستمر طويلاً.

عوامل رئيسة تحدد مستقبل سوق الإيجارات في مصر
رغم التراجع الطفيف الذي شهده سوق الإيجارات مؤخرًا، خاصة مع عودة آلاف السودانيين إلى بلادهم، لا تزال هناك عدة عوامل جوهرية من شأنها تحديد اتجاه السوق خلال الفترة المقبلة، سواء نحو الاستقرار أو تجدد الارتفاعات. وفيما يلي أبرز هذه العوامل:
1. الإصلاحات التشريعية
في يوليو 2025، أقر البرلمان المصري تعديلات جوهرية على قوانين الإيجار القديم، تستهدف تحرير السوق بشكل تدريجي. وتوقّع خبراء أن تسهم هذه الخطوة في:
-
إضافة آلاف الوحدات السكنية إلى سوق الإيجارات خلال عام 2026.
-
زيادة المعروض من الشقق، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض الأسعار أو على الأقل الحدّ من صعودها مجددًا.
2. التضخم وارتفاع تكاليف البناء
ورغم المؤشرات الإيجابية، يبقى التضخم عاملاً ضاغطًا على السوق، حيث أدى إلى:
-
زيادة كبيرة في تكاليف البناء والتشطيب والصيانة.
-
تمسّك الملاك بمستويات إيجارية مرتفعة لتعويض النفقات المرتفعة، حتى مع انخفاض الطلب في بعض المناطق.
3. تغير أنماط الطلب
شهد السوق المصري تحوّلًا في سلوك المستأجرين خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع انتشار ثقافة العمل عن بُعد، وظهور شرائح جديدة من العملاء:
-
الإيجار قصير الأجل عبر منصات إلكترونية مثل Airbnb، والتي تستهدف السياح والعاملين الرقميين.
-
الوحدات المفروشة الفاخرة التي تُفضَّل من قبل شرائح عليا أو مغتربين، مقابل انخفاض الطلب على الوحدات الاقتصادية التي كانت مفضلة من الجالية السودانية.
سيناريوهات محتملة لمستقبل سوق الإيجارات في مصر
مع التقلبات الأخيرة في سوق الإيجارات المصري، خاصة بعد بدء عودة آلاف السودانيين إلى بلادهم، يطرح الخبراء عدة سيناريوهات مرجّحة لمسار السوق خلال الأشهر المقبلة. وفيما يلي أبرز التصورات:
السيناريو الأول: تراجع تدريجي في الأسعار
يتوقع عدد من المحللين العقاريين أن يؤدي تراجع الطلب الاستثنائي من الجالية السودانية إلى هبوط تدريجي في أسعار الإيجارات، لا سيما في المناطق الشعبية والمتوسطة التي كانت تعتمد على هذا الطلب، مثل فيصل والهرم وإمبابة وحدائق الأهرام.
-
انخفاض الاستفسارات بنسبة تتجاوز 40% منذ يونيو 2025
-
زيادة المعروض من الشقق، خاصة المفروشة
-
انخفاض الأسعار بنسب تتراوح بين 10% إلى 20% في بعض الأحياء

السيناريو الثاني: استقرار نسبي مع تباطؤ في السوق
ورغم بدء التراجع في بعض المناطق، يرى خبراء آخرون أن الضغوط الاقتصادية المستمرة، خاصة ارتفاع تكاليف البناء والصيانة، قد تبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة نسبيًا، مع انخفاض وتيرة الطلب، ما يُبقي السوق في حالة من الركود الجزئي.
-
استمرار التضخم يدفع الملاك لعدم تخفيض الإيجارات
-
بطء حركة التأجير خاصة في الشقق المفروشة
-
استقرار الأسعار لكن مع تقلص عدد الصفقات الفعلية
السيناريو الثالث: إعادة هيكلة السوق بفعل القوانين الجديدة
مع دخول تعديلات قانون الإيجار القديم حيز التنفيذ اعتبارًا من 2025، من المتوقع أن يشهد السوق تحولًا هيكليًا كبيرًا، يتمثل في:
-
إضافة آلاف الوحدات السكنية إلى سوق الإيجارات
-
نشوء منافسة حقيقية بين الملاك لجذب المستأجرين
-
توجه الأسعار نحو مستويات أكثر تنافسية خاصة في المناطق المكتظة بالعرض
فرص وتحديات أمام المستأجرين والملاك
أولاً: المستأجرون – فرص استثنائية في الأفق
مع بدء عودة أعداد كبيرة من السودانيين إلى بلادهم، بدأت بعض الوحدات السكنية التي كانت مشغولة لفترات طويلة تُطرح من جديد في السوق، وهو ما يفتح الباب أمام المستأجرين لاقتناص فرص بأسعار أكثر مرونة.
-
انخفاض الطلب في بعض الأحياء قد يُترجم إلى خصومات في القيمة الإيجارية.
-
بعض الملاك، سعيًا لتقليل فترات الشُغور، باتوا يقدمون عروضًا تشجيعية، مثل الإعفاء من الإيجار لشهر أو خفض قيمة المقدمات أو تكاليف التعاقد.
ثانيًا: الملاك – تحديات تحفز على التكيّف والتجديد
على الجانب الآخر، يواجه الملاك تحديًا في إعادة تسويق وحداتهم السكنية في سوق يشهد تغيرات ملحوظة في أنماط الطلب.
-
لضمان الاستمرارية، يُنصح الملاك بإعادة النظر في استراتيجيات التأجير التقليدية، والتفكير في التحول نحو الإيجار قصير الأجل أو اليومي عبر المنصات الرقمية.
-
كما يُعد تأثيث الشقق وتحويلها إلى وحدات مفروشة خيارًا استثماريًا واعدًا، لا سيما في مناطق تشهد إقبالًا موسميًا من شرائح مختلفة مثل السياح والوافدين.
هل تتراجع أسعار الإيجارات فعلًا؟
تشير المعطيات الأولية إلى أن سوق الإيجارات في مصر يتجه نحو انفراجة نسبية، بعد موجة الارتفاعات التي غذّاها الطلب الاستثنائي من الوافدين السودانيين منذ عام 2023. ومع بدء عودة أعداد كبيرة منهم إلى بلادهم، بدأ منحنى الأسعار يشهد تصحيحًا تدريجيًا، خصوصًا في المناطق التي كانت تعتمد بدرجة كبيرة على هذا الطلب.
ومع ذلك، تبقى وتيرة التراجع ومدى استدامته رهينة بعدة عوامل، أبرزها:
-
الإصلاحات التشريعية مثل تعديلات قانون الإيجار القديم،
-
معدلات التضخم المستمرة التي تؤثر في تكلفة الإنشاء والصيانة،
-
وتحولات أنماط الإيجار مثل تصاعد الإقبال على الإيجار قصير الأجل والمفروش الفاخر.
وفي المحصلة، يبدو أن السوق العقاري المصري يدخل مرحلة إعادة توازن، قد تتيح فرصًا واعدة للطرفين:
-
للمستأجرين الباحثين عن أسعار أكثر ملاءمة،
-
وللملاك والمستثمرين الساعين إلى نماذج تأجير أكثر مرونة وعائدًا.