تحقيقات وتقارير

معارك السودان تكشف عن وجه آخر أكثر خفاءً وأشد فتكاً

لطالما عانى السودان من التلوث بالألغام الأرضية ومخلفات الحروب المتفجرة، وهو إرث مرير خلّفته عقود من النزاعات في الجنوب، ودارفور، والشرق، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان. هذه الألغام والذخائر غير المنفجرة تشكل تهديدًا مستمرًا لأمن وسلامة المدنيين.

الألغام تهديد متجدد في الحرب الأخيرة

مع استمرار القتال بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، عادت الألغام لتشكل خطرًا متصاعدًا، خصوصًا في المناطق التي انسحبت منها القوات مؤقتًا وبدأ السكان بالعودة إليها تدريجيًا.

وفي 20 يناير 2024، وقعت أول حادثة موثقة لانفجار لغم أرضي في هذه الحرب، عندما اصطدمت حافلة مدنية بلغم مزروع في ولاية الجزيرة، مما أسفر عن مقتل 10 مدنيين. كانت هذه الحادثة بمثابة جرس إنذار مبكر يكشف عن حجم الأخطار الكامنة التي تواجه المدنيين، وتؤكد أن آثار الحرب لن تنتهي بانتهاء القتال، بل ستستمر في تهديد حياة الناس خلال مرحلة إعادة الإعمار والعودة.

السودان في مرمى الألغام: إرث صراعات وتحديات مستجدة

يُصنّف السودان حاليًا كواحد من أكثر الدول تضررًا بالتلوث الناتج عن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة. هذا الوضع يضعه في مصاف أكثر من 60 دولة ومنطقة تواجه تهديدًا يوميًا من هذه الأسلحة الصامتة التي تقتل وتسبب إعاقات دائمة.

تراكم الألغام وتحدي المعاهدات

ما يزيد من تعقيد المشهد هو الإرث التراكمي للصراعات في البلاد، حيث استخدمت الألغام في نزاعات متعددة، ليس فقط في الجنوب ودارفور، بل امتدت الآن لتشمل ولايات رئيسة مثل الخرطوم، الجزيرة، وكسلا.

وعلى الرغم من توقيع السودان على معاهدة أوتاوا لحظر الألغام عام 1997، إلا أنه لم يصادق عليها بعد، مما أدى إلى استمرار انتشار هذه الأسلحة في النزاعات اللاحقة. هذا الوضع يضع تحديًا كبيرًا أمام السلطات السودانية والمنظمات الإنسانية، ويتطلب جهدًا مزدوجًا:

  1. تطهير الأراضي: إزالة المخلفات القاتلة لضمان عودة آمنة للمدنيين.
  2. آليات رقابة: وضع آليات صارمة لمنع استخدام الألغام مجددًا في المستقبل.

السودان: إرث الألغام يهدد حياة المدنيين وتطلعات التنمية

يعاني السودان من إرث ثقيل من الألغام الأرضية ومخلفات الحروب المتفجرة، يعود تاريخه إلى عام 1955. فقد خلّفت عقود من الصراعات في الجنوب، ودارفور، والشرق، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان، آلاف الألغام التي تحوّلت إلى تهديد دائم لأمن وسلامة المدنيين، خصوصًا في المناطق الريفية المهمشة.

أرقام وإحصائيات صادمة

تشير البيانات الرسمية إلى أن أكثر من 2000 شخص أصيبوا، و590 لقوا حتفهم بسبب الألغام منذ انتهاء النزاع الشمالي-الجنوبي.

وعلى الرغم من هذه الأرقام، فقد حقق التعاون مع برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الألغام منذ عام 2002 إنجازات هامة:

  • تطهير 95 مليون متر مربع من الأراضي الملوثة.
  • تدمير أكثر من 10 آلاف لغم و3 آلاف عبوة مضادة للدبابات.

تحديات جنوب السودان وتأجيل الموعد النهائي

يواجه جنوب السودان تحديات مماثلة، حيث لا تزال نحو 200 كيلومتر مربع من أراضيه ملوثة. ورغم إعلان تدمير مخزونه من الألغام عام 2008، فقد تم تأجيل الموعد النهائي لإعلان البلاد خالية من الألغام من عام 2021 إلى 2030 بسبب ضعف تمويل المانحين.

الآثار الاجتماعية والاقتصادية

تتجاوز آثار الألغام الإصابات الجسدية لتشمل أبعادًا اجتماعية واقتصادية عميقة، إذ تتحمل النساء في ولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان العبء الأكبر من خلال فقدان المعيل. كما تعيق مخلفات الحروب وصول المساعدات الإنسانية والخدمات، وتساهم في زيادة التوترات .

وعلى الرغم من أهمية أنشطة نزع الألغام، فإن محدودية نطاقها وضعف الثقة بين المجتمعات والجهات المنفذة يعيقان بشكل كبير جهود التخلص من هذا الإرث المدمر.

تزايد خطر الألغام في السودان يهدد عودة المدنيين

أصبح التلوث بالألغام والذخائر غير المنفجرة في السودان يمثل خطرًا متزايدًا يهدد عودة المدنيين. وحذرت الأمينة العامة للمجلس الدنماركي للاجئين، شارلوت سلينتي، من أن الناس “يحلمون بالعودة إلى ديارهم، لكنهم يواجهون كابوس الأسلحة غير المنفجرة”.

تطهير الأراضي قد يستغرق أجيالًا

أكد خبراء أن عملية تطهير السودان من هذه الأخطار قد تستغرق أجيالًا، مما دفع الجهات المعنية إلى تمديد الجداول الزمنية لإزالتها. ويُعد “مجلس الكونغو الديمقراطية” المنظمة الدولية الوحيدة المعتمدة التي بدأت عمليات التطهير منذ بداية النزاع الأخير، وتركز جهودها حاليًا على المناطق الأكثر تلوثًا، مثل ولاية الخرطوم.

اتهامات متبادلة وتضارب في الحقائق

  • اتهامات الجيش للدعم السريع: وجه الجيش السوداني اتهامات مباشرة لقوات الدعم السريع، مفادها أنهم قاموا بزرع ثلاثة حقول ألغام في منطقتي المقرن وغابة السنط بالخرطوم، وهما موقعان استراتيجيان شهدتا اشتباكات عنيفة.
  • الدعم السريع يرد الاتهامات: من جهتها، نفت قوات الدعم السريع هذه المزاعم، واتهمت الجيش بأنه هو من قام بزرع الألغام، بما في ذلك العبوة الناسفة التي انفجرت في حافلة الركاب بولاية الجزيرة وأدت إلى مقتل 10 مدنيين. واستندت الميليشيا في اتهامها إلى أن المنطقة لم تكن معروفة بوجود الألغام سابقًا.

خطر متزايد على المدنيين

مع غياب المصادر المستقلة القادرة على التحقق من هذه الاتهامات، يظل المشهد ضبابيًا، لكن القلق الأكبر يكمن في استمرار انتشار هذه الأسلحة. وتُشير التجارب السابقة في السودان إلى أن مثل هذه الحوادث قد تتكرر، مما يهدد حياة المدنيين العائدين إلى مناطق النزاع السابقة.

تحديات جسيمة تواجه جهود إزالة الألغام في السودان

حذّر اللواء خالد حمدان، مدير المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان، من الانتشار الكثيف للمخلفات الحربية في البلاد، مشيراً إلى أن الحرب الأخيرة تسببت في وجود أنواع جديدة من الألغام والمقذوفات غير المنفجرة. وأكد أن التعامل مع هذه الأجسام يتطلب خبرة متخصصة، محذرًا من أن بعضها شديد الحساسية، خاصة الألغام المضادة للأفراد التي قد تنفجر بأقل من كيلوغرام واحد من الضغط.

 

جهود ميدانية ونتائج مقلقة

  • نطاق العمل: بدأ المركز أنشطته في أبريل 2024، ويعمل حالياً بـ 14 فريقاً ميدانياً في ولايات الخرطوم، والجزيرة، والنيل الأبيض، وسنار، وشمال وجنوب كردفان.
  • الخرطوم في المقدمة: الفرق الأكثر نشاطًا تعمل حالياً في الخرطوم، حيث رصدت ثلاثة حقول ألغام في منطقتي المقرن وغابة السنط، وهي ألغام بلاستيكية يصعب اكتشافها.
  • إنجازات وإحصائيات: نجح المركز في تدمير 14 لغمًا مضادًا للأفراد بين جسري السلاح الطبي والفتيحاب. كما تم تدمير أكثر من 12 ألف دانة و37 ألف ذخيرة صغيرة.
  • حصيلة الضحايا: في عام 2024، تم تسجيل 28 حادثة أسفرت عن 59 إصابة و14 وفاة. وفي عام 2025 حتى الآن، سُجلت 20 حادثة أدت إلى 49 إصابة و12 وفاة.

معوقات وتحديات كبيرة

أكد اللواء حمدان أن المركز يواجه تحديات كبيرة، أبرزها ضعف التمويل، حيث تعمل الميزانية المتاحة على تغطية ثمانية فرق فقط لمدة شهرين. بالإضافة إلى ذلك، يعاني المركز من نقص المعدات الأساسية، مما يضطره إلى استئجار آليات بتكلفة عالية.

ورغم هذه الصعوبات، يواصل المركز جهوده في إزالة الألغام وتنظيم حملات توعية وورش تدريب للمتطوعين، مع التعهد بمواصلة العمل حتى يتم الإعلان عن خلو الخرطوم والمناطق المتأثرة من هذه المخاطر.

تحديات كبيرة تواجه جهود مكافحة الألغام في السودان

وفى الختام تظل جهود مكافحة الألغام في السودان، على الرغم من أهميتها لإعادة الإعمار والاستقرار، تظل محدودة بسبب عدة عوامل رئيسة.

  • نقص التمويل: تعاني المنظمات العاملة في هذا المجال من فجوات تمويلية كبيرة تعيق توسعها الجغرافي وتُبطئ وتيرة عملها.
  • ضعف الثقة: ضعف التواصل والثقة بين المجتمعات المحلية ووكالات إزالة الألغام يعيق فعالية الإبلاغ عن الأجسام المشبوهة، حيث يتردد السكان في التعاون.
  • عقبات لوجستية: لا تزال الأنشطة الميدانية غير ممكنة في مناطق النزاع النشطة، مما يحد من الوصول إلى المناطق شديدة التلوث.
  • تهديدات بيئية: تُشكل الأمطار الغزيرة خطرًا إضافيًا، حيث يمكنها أن تُحرّك الألغام من أماكنها، مما يزيد من صعوبة تحديد مواقعها وإزالتها.

ويجمع الخبراء  على أن تحقيق السلام في البلاد هو شرط أساسي لنجاح جهود مكافحة الألغام بشكل كامل.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى