
في خطوة وُصفت بأنها رمزية بقدر ما هي سياسية، أعلن فارس النور، الحاكم المعين للعاصمة الخرطوم من قِبل الحكومة الموازية التابعة لتحالف “تأسيس” المدعوم من قوات الدعم السريع، إطلاق مشورة شعبية حول مستقبل المدينة، تحت شعار: “الخرطوم مدينة للحياة، لا للثكنات”.
وقال النور، في بيان عبر صفحته الرسمية، إن المشورة تأتي وفاءً “للقيم التي ناضل من أجلها الثوار”، وإنها تمثل جوهر مشروع تحالف “تأسيس” لبناء دولة مدنية ديمقراطية تقوم على التشاور الشعبي والعدالة الاجتماعية، معتبرًا أن مصير العاصمة يجب أن يُحدد بإرادة أهلها لا بقرارات فوقية.
دعوة لإخلاء الخرطوم من المقرات العسكرية
المشورة الشعبية، بحسب النور، تتمحور حول إخلاء العاصمة الخرطوم من جميع الثكنات والمقرات العسكرية بشكل دائم، وتحويلها إلى منشآت مدنية تخدم المواطنين وتعكس روح العاصمة كمدينة للسلام والحرية، لا كرمز للانقلابات والعنف.
وأشار إلى أن الخرطوم كانت “منطلقًا متكررًا للانقلابات التي عطّلت المسار الديمقراطي”، وأن الحرب الأخيرة التي اندلعت من داخل أحيائها أدت إلى تشريد أكثر من 10 ملايين سوداني وسودانية، معتبرًا أن الوقت قد حان لإعادة تعريف العاصمة كـ”مساحة للحياة لا للعسكرة”.
مقترحات لإعادة توظيف المواقع العسكرية
وضمن رؤيته المستقبلية، طرح الحاكم المعيّن سلسلة مقترحات لتحويل المواقع العسكرية إلى منشآت مدنية وخدمية، منها:
-
إنشاء حدائق عامة كبرى على غرار “هايد بارك” اللندني.
-
إعادة افتتاح حديقة الحيوان بمفهوم ترفيهي وتعليمي حديث.
-
بناء مستشفى مركزي متخصص لعلاج السرطان يخدم السودان ودول الجوار.
-
تخصيص بعض المواقع لإنشاء جامعات ومراكز أبحاث لدعم التعليم العالي.
قرار رمزي ورسالة سياسية
وفي سياق رمزي لافت، أكد فارس النور أن أول قرار سيتخذه بعد تسلّمه الرسمي للمنصب هو التصديق بقطعة أرض لصالح كنيسة “الخمسينية” التي سبق أن هدمتها السلطات في إطار حملات إزالة السكن العشوائي.
ودعا جميع السودانيين داخل البلاد وخارجها للمشاركة في المشورة الشعبية، وتقديم آرائهم ومقترحاتهم عبر المنصات الرقمية، مؤكداً أن “مبدأ التشاور الشعبي هو حجر الأساس لبناء وطن يليق بأحلام وتضحيات المواطنين”.
قراءة في السياق السياسي
يأتي هذا التحرك في ظل تصاعد الاستقطاب السياسي والعسكري في السودان، بعد إعلان تحالف “تأسيس” تشكيل حكومة موازية يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي” رئيسًا، وعبد العزيز الحلو نائبًا له، مما يعكس اتجاها متسارعًا نحو تثبيت سلطات الأمر الواقع في الغرب والوسط، مقابل حكومة الجيش السوداني في بورتسودان.
ويُنظر إلى مبادرة فارس النور كمحاولة لتوظيف خطاب رمزي مدني لمواجهة الهيمنة العسكرية التقليدية على العاصمة، في سياق قد يُفهم بأنه يسعى لتكريس واقع سياسي جديد على أنقاض الخرطوم القديمة، لكن بغطاء شعبي وديمقراطي.