تحقيقات وتقارير

أماني الطويل: هذه هى انعكاسات حكومة حميدتي الموازية على السودان

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

رغم صدور بيان عن الجيش السوداني يدين خطوة إعلان الحكومة الموازية، معلناً القدرة على إحباط خطوة حميدتي في إعلان حكومته، فإن اكتمال هياكل الحكومة الموازية ووجود منفستو سياسي لها، بغض النظر عن صدقيته السياسية له عدد من الدلالات المهمة… فما هي؟

لم يكن إعلان تشكيل حكومي مواز في غرب السودان مفاجئاً لأحد، فالحدث تطور طبيعي متوقع في ضوء استراتيجية محمد حمدان دقلو (حميدتي) للحصول على الشرعية السياسية، التي وسمت كل أدائه السياسي منذ اللحظة التي حول فيها ولاءه من الرئيس البشير إلى التحالف السياسي المدني الذي أطاحه، وصولاً إلى الانقلاب على حليفه الأساسي الفريق عبدالفتاح البرهان وزير الدفاع ورئيس المجلس السيادي في تحالفات ومشاكسات سبقت الحرب.

وبين هاتين اللحظتين عملية هندسة ذكية ومتراكمة قام بها حميدتي، لبناء النفوذ المالي والسياسي والعسكري بوصفه قائداً لقوات “الدعم السريع”، وذلك داخل العاصمة السودانية منذ الثورة وحتى الحرب، وكذلك هندسة تعميق علاقاته الإقليمية، فضلاً عن التعامل مع شركات علاقات عامة، خصوصاً في باريس، بهدف زيادة وزنه على الصعيد الدولي، خصوصاً في اتجاه إسرائيل.

وعلى رغم حال التوقع التي سادت المجال العام السوداني فإن خطوة إعلان حكومة “الدعم السريع” قد جرت بلورتها على ثلاث خطوات مدروسة بعناية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، طبقاً لتطور التعاطي مع ملف الحرب السودانية.

كيف تبلورت فكرة حكومة “الدعم السريع”؟

في هذا السياق جرت الخطوة الأولى في العاصمة الكينية نيروبي، وذلك بإعلان مفهوم هذه الحكومة الموازية بما أطلق عليه “تأسيس”، وهو المفهوم الذي استلهم من أطروحة الراحل جون جارانج المعنونة بـ”السودان الجديد”، كما جرى الكشف عن حلفاء المفهوم من القوى السياسية والحركات المسلحة وأيضاً من المثقفين المدنيين.

أما الخطوة الثانية فتبلورت في إعلان سلطتين، إحداهما المجلس السيادي برئاسة حميدتي، والأخرى بحكومة ومجلس وزاري، إذ جاءت الخطوة الأخيرة قبيل انعقاد اللجنة الرباعية المعنية بوقف الحرب في السودان، وذلك في توقيت هدفه التكتيكي هو الإعلان عن وجود “الدعم السريع” على المستوى السياسي طرفاً لا بد من الإقرار بوجوده، وذلك في خطوة غير مسبوقة في التاريخ السوداني الحديث، إذ إن تاريخ الصراعات في السودان مؤسس على فكرة التمرد العسكري على المركز بفصائل مسلحة تدير المناطق التي تحت سيطرتها، ولم يسبق لأحدها أن أعلن حكومة في مناطقه.

وقد جاء رئيس الحكومة محمد حسن التعايشي بمنطق جهوي واضح فهو ابن إقليم دارفور وعضو المجلس السيادي المنبثق من ثورة ديسمبر، الذي تشكل قوات “الدعم السريع” في حكومته ما يزيد على 14 في المئة، بينما كان لعبدالعزيز الحلو قائد قوات الحركة الشعبية قطاع الشمال ما يزيد على الـ30 في المئة، وبقي ما يزيد على 20 في المئة لحلفاء مدنيين آخرين.

ما دلالات إعلان حكومة “الدعم السريع”؟

وعلى رغم صدور بيان عن الجيش القومي السوداني يدين خطوة إعلان الحكومة الموازية، ويتمسك بوحدة الترب الوطني السوداني، ويعلن القدرة على إحباط خطوة حميدتي في إعلان حكومته، فإن اكتمال هياكل الحكومة الموازية ووجود منفستو سياسي لها، بغض النظر عن صدقيته السياسية له عدد من الدلالات المهمة، كما سيكون له أثر كبير على المدى القصير، ويمكن أن نلخص هذه الدلالات أولاً في المحاور الآتية:

1- وجود ميداني مؤطر بهياكل تنفيذية على الأرض، وهو وضع متجاوز الصراع السياسي والعسكري بين الجيش وحلفائه وقوات “الدعم السريع” التي تسيطر على غالبية إقليم دافور، وهو ما يوفر لها حواضن من السكان قسم منهم موال لحميدتي وقواته على أساس قبلي.

2- تحول “الدعم السريع” من طرف عسكري إلى سلطة لها أدوار، من بينها تقديم خدمات صحية وتعليمية للسكان الموجودين في مناطق سيطرتها، وفي الغالب ستعاونها فيها منظمات إنسانية عالمية، ودعم من الحواضن الإقليمية لحميدتي، مما يمكن “الدعم السريع” من الحصول على نوع ما من الشرعية السياسية التي ستنعكس على تفاعلاتها الإقليمية والدولية، وتتحول بدورها إلى سلطة أمر واقع.

3- طرح سيناريوهات تقسيم السودان للمرة الثانية في ضوء المفاهيم التي طرحتها “تأسيس”، خصوصاً أن هناك طلباً على هذا التقسيم على أسس عرقية وقبلية من أطراف متعددة داخل السودان، وذلك على رغم أن النموذج الجنوب سوداني المنفصل عام 2011 لم يثبت نجاحاً، لكنه قدم دليلاً إضافياً على أن الأبعاد العرقية والقبلية في تكوين أي كيان هو المعول الرئيس لإنتاج الفشل والتشظي.

وطبقاً للمعطيات السالفة الذكر فإن التداعيات المتوقعة على خطوة إعلان حكومة حميدتي ستتمظهر في عدد من التطورات المنتظرة منها أولاً: تصعيد الصراع العسكري خلال الفترة المقبلة، خصوصاً في منطقة الفاشر التي تريد “الدعم السريع” ضمان السيطرة عليها في ضوء تأثيرها الاستراتيجي على موازين القوى بين الأطراف المتحاربة، بينما سيتجه الجيش وحلفاؤه على الأرجح إلى توسيع نطاق سيطرته على مناطق جنوب دارفور وغرب كردفان لتقليص قدرات “الدعم السريع” في هذه المناطق.

وثانياً: أن ميلاد حكومة “الدعم السريع” ستدعم التوجهات الانفصالية في شرق السودان والنيل الأزرق، خصوصاً أن التمثيل السياسي لهذه المناطق في حكومة حميدتي جاء هامشياً، مما يعني في التحليل الأخير انفتاح السودان على سيناريوهات التفكيك المتوالي كمنظومة الدومينو، ويفسح المجال لصراعات الكانتونات التي تسير فيها الصراعات العسكرية المسلحة طبقاً لمعطياتها المحلية المحدودة.

هل تتأثر اجتماعات الرباعية في واشنطن؟

ولعل الأثر الاقتصادي لخطوة إعلان حكومة حميدتي هو رفع قدرات الشركات العالمية، خصوصاً الأميركية والإسرائيلية، للوصول إلى موارد دافور الأهم بالنسبة إليها، وهو الصمغ العربي والذهب، ربما بعوائد غير عادلة، نظراً إلى حقيقة أن حكومة حميدتي، وإن حققت قدراً من الشرعية فستظل منقوصة ومتنافسة مع غيرها من السلطات في السودان.

وسيبقى أثر الإدانات الإقليمية والدولية لخطوة حميدتي في إعلان حكومة موازية محدوداً على رغم اتساع وشمول هذه الإدانات، لتتضمن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، خصوصاً أنه حتى كتابة هذه السطور، لم يصدر عن إدارة ترمب أي موقف في شأن حكومة حميدتي.

ومن المتوقع أن تنعكس خطوة إعلان حكومة حميدتي بالضرورة على اجتماعات اللجنة الرباعية في واشنطن، كما أنها ستكون فرصة لاختبار الاتجاهات الأميركية الفعلية إزاء “الدعم السريع” في هذا السياق إلا أنه من المنتظر تحول اجتماع الرباعية من محاولة حل النزاع السوداني إلى السعي لمنع انهيار الدولة أو تقسيمها في ضوء نتائج نموذج جنوب السودان السلبية، وهو دور ستضطلع به كل من القاهرة والرياض، كما من المرجح أن يجري إدراج دارفور بنداً مستقلاً على هذه الاجتماعات، وهو تطور يعد تحدياً كبيراً لحل في السودان على أساس قومي شامل يحافظ على وحدة التراب الوطني.

أما على الصعيد الإقليمي فإن خطوة تكوين حكومة في غرب السودان سيكون لها انعكاسات مباشرة على كل من تشاد وليبيا، فعلى الصعيد التشادي سيكون أمام الرئيس محمد إدريس ديبي ضرورة إدارة توازن صعب وحساس بين قوات “الدعم السريع” التي لها امتدادات قبلية مع بلاده خصوصاً وبين الجيش السوداني ورئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، إذ إن الانحياز إلى أي منهما سيكون مكلفاً لديبي من زاوية إمكانية التحالف من طرفي الصراع السوداني مع المعارضة الداخلية ضد نظام حكمه.

أما على الصعيد الليبي فسيسيطر حميدتي على الحدود السودانية مع ليبيا مما يزيد من نشاط الهجرة غير الشرعية والجريمة المنظمة، مما سيكون مصدر قلق أوروبي، لا بد أن ينعكس خلال الفترة المقبلة في تركيز اهتمام الاتحاد الأوروبي على أزمة الحرب في السودان.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى