منشقون عن المجلس الاستشاري للدعم السريع: نحن شهود على الإنتهاكات والفظائع
متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز
في ضربة جديدة لتماسكها الداخلي، أعلن خمسة من أعضاء المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع، اليوم الأحد 27 يوليو، انشقاقهم الكامل والنهائي عن صفوف القوة، متهمين إياها بارتكاب “انتهاكات جسيمة طالت الوطن والمواطن”، على حد وصفهم.
وجاء الإعلان خلال مؤتمر صحفي عُقد في مدينة بورتسودان، بتنظيم من وزارة الثقافة والإعلام وبالتعاون مع وكالة السودان للأنباء (سونا)، حيث تلا المنشقون بياناً مشتركاً كشفوا فيه عن دوافعهم لترك ما وصفوه بـ”مليشيا خرجت عن كل الأعراف الوطنية والأخلاقية”.
بيان قاسٍ يتهم “الدعم السريع” بتمزيق النسيج الوطني
المنشقون لم يكتفوا بإعلان الانفصال، بل وجّهوا اتهامات مباشرة لقوات الدعم السريع باستخدام العنف ضد المدنيين، وإذكاء الفتنة القبلية، والإضرار بالوحدة الوطنية، مشيرين إلى أن ما ارتُكب من تجاوزات “لا يمكن الصمت عنه أو تبريره”.
وقال البيان نصاً:
“نعلن انشقاقنا الكامل والنهائي عن ما يسمى مليشيا الدعم السريع، وذلك بعد أن تبين لنا بالدليل القاطع أن هذه المليشيا قد تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية، وأصبحت أداة لتدمير السودان وتمزيق نسيجه الاجتماعي، وانتهاك كرامة مواطنيه”.
هوية المنشقين: ضربة رمزية لهيكل القيادة
وبينما لم يُكشف بعد عن جميع الأسماء بالتفصيل، فإن الانشقاق شمل خمسة أعضاء بارزين من المجلس الاستشاري، الجهة التي يفترض أن تلعب دورًا في توجيه سياسات القيادة داخل الدعم السريع. ويُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها تطورًا لافتًا يعكس وجود انقسامات عميقة داخل بنية المليشيا، في ظل الضغوط الميدانية والاتهامات الدولية المتزايدة بانتهاك حقوق الإنسان.
دلالات وتوقيت حساس
يأتي هذا التطور في توقيت حرج، تزداد فيه عزلة الدعم السريع داخليًا وخارجيًا، مع استمرار المعارك فى مدن دارفور، وتصاعد التقارير عن ممارسات وصفت بـ”الوحشية” تجاه المدنيين.
ويرى مراقبون أن هذه الانشقاقات، رغم محدودية عدده “المعلن”، تحمل دلالات سياسية مهمة، خصوصًا إذا تواصلت أو تبعتها انشقاقات أخرى من داخل الهيكل التنظيمي أو العسكري للدعم السريع.
ردود الفعل المرتقبة
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر رد رسمي من قوات الدعم السريع على البيان، لكن من المتوقع أن تصدر توضيحات أو ردود في الساعات المقبلة، خاصة وأن المؤتمر الصحفي حظي بتغطية رسمية وإعلامية واسعة.
هويات المنشقين: شخصيات بارزة كانت في صلب الهيكل المدني للدعم السريع
وتضمنت قائمة المنشقين شخصيات مدنية نافذة داخل الدائرة الاستشارية لقائد الدعم السريع، هم:
-
مودبو إبراهيم بابجي: رئيس دائرة الحكم والإدارة بالمجلس الاستشاري، والأمين العام المؤسس للإدارات المدنية بمناطق سيطرة الدعم السريع.
-
الشيخ محمد أحمد عليش: رئيس الدائرة القانونية بالمجلس، ورئيس تحالف “قمم” بولاية الخرطوم.
-
عبد العظيم سليم محمد علي: عضو المجلس، ورئيس الدائرة القانونية بتحالف “قمم”.
-
عباس محمد عبد الباقي: عضو المجلس، ومستشار محلية شرق النيل.
-
بابكر خليفة محمد: عضو المجلس، والمستشار السياسي لقائد الدعم السريع.
اتهامات ثقيلة وتحذير من “خطة تدمير ممنهجة”
في بيانهم المشترك، أشار المنشقون إلى أنهم كانوا “حضوراً وشهوداً” على ما وصفوه بـ”مخططات ممنهجة” ظلت تنسجها مليشيا الدعم السريع بالتعاون مع بعض القوى السياسية، وتستهدف – بحسب تعبيرهم – “تدمير السودان، وتشريد شعبه، وطمس هويته وتاريخه، ونهب ثرواته”.
وحذروا من أن المليشيا تمارس “انتهاكات تجاوزت كل الخطوط الوطنية والأخلاقية”، مؤكدين أن الوقت قد حان لكشف ما يحدث خلف الكواليس من ترتيبات مشبوهة يسعى بعض الأطراف إلى تمريرها تحت غطاء العملية السياسية.
مطالبات بفضح الدعم الدولي و”وقف شرعنة المليشيا”
أبرز ما ورد في البيان هو إعلان المجموعة عزمها التوجه بخطاب رسمي إلى الاتحاد الأفريقي والمجتمع الدولي، لمطالبتهما بوقف ما وصفوه بـ”الدعم غير المباشر” لقوات الدعم السريع، وفضح محاولات منحها غطاءً سياسياً أو دولياً، داعين إلى محاسبة المتورطين في دعمها ماديًا أو إعلاميًا أو سياسيًا.

شهادات من الداخل: خيار البقاء كان من أجل الناس لا من أجل المليشيا
من جانبه، قال الشيخ محمد أحمد عليش، رئيس الدائرة القانونية لقائد الدعم السريع وأحد أبرز المنشقين، إن علاقتهم بالمليشيا تعود إلى ما قبل اندلاع الحرب، حين كانوا أعضاء في القطاع السياسي ومؤسسين للمجلس الاستشاري.
وأوضح عليش أن استمرارهم في الخرطوم خلال الشهور الأولى من الحرب لم يكن دعماً للمليشيا، بل كان “خيارًا إنسانيًا لحماية الأهالي قانونيًا، في ظل حالة الانفلات والفوضى”، مضيفًا: “بعد شهرين من الحرب، كنا أمام خيارين: المغادرة أو البقاء إلى جانب أهلنا، واخترنا أن نحميهم قانونياً، لا أن ندافع عن مشروع دمر السودان.“
وأضاف أن استمرارهم داخل المنظومة منحهم فرصة الاطلاع على ما يجري خلف الكواليس، وهو ما قاد إلى قناعتهم بأن الدعم السريع “لم يعد كياناً وطنياً بل أصبح أداة تمزيق وتشريد”.
وكشف الشيخ محمد أحمد عليش، رئيس الدائرة القانونية للمجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع، أن وجودهم داخل المنظومة في بدايات الحرب لم يكن صمتًا عن الانتهاكات، بل محاولة لإحداث تأثير من الداخل.
وقال عليش: “كنا شهودًا على ما يحدث من تجاوزات، ولذلك قررنا أن نتحرك بصفتنا قانونيين، وقدمنا رؤية متكاملة لمعالجة الوضع القانوني داخل مناطق سيطرة الدعم السريع.”
وأوضح أن تلك الرؤية كانت تشمل تجفيف المعتقلات التي أنشئت في ولاية الخرطوم خارج الأطر القانونية، بالإضافة إلى محاولة سد الفراغ العدلي الناتج عن انهيار مؤسسات الدولة، غير أن “الواقع العملي أثبت استحالة تنفيذ أي إصلاح داخل كيان باتت الانتهاكات جزءًا من بنيته”، على حد وصفه.
وأكد عليش أن تلك التجربة، وما حملته من صدمات ميدانية، كانت الدافع الرئيس للانشقاق الجماعي، معتبرًا أن استمرارهم كان سيُعد “تبريرًا غير مباشر لسلوكيات لا تمثل قيم الثورة ولا أخلاق الشعب السوداني”.
وأضاف الشيخ محمد أحمد عليش أن جهودهم القانونية داخل مناطق سيطرة الدعم السريع اصطدمت برفض واضح لبعض المقترحات، قائلًا:
“بعد مشاورات داخلية، تمت الموافقة على بعض البنود، لكن تم رفض مقترحنا بتجفيف المعتقلات والسجون بالكامل.”
وأوضح أن المعتقلات كانت تنقسم إلى نوعين:
-
معتقلات سرية لا تخضع مباشرة لإدارة الدعم السريع، بل كانت تحت سيطرة قادة ميدانيين يديرونها بشكل منفصل، ما يعني غياب الرقابة المؤسسية.
-
وسجن سوبا الكبير، الذي وصفه بأنه كان المنشأة الوحيدة ذات الطابع المنظم ضمن تلك المنظومة.
وأشار إلى أن رفض تفكيك تلك المعتقلات، خاصة السرية منها، شكّل نقطة تحول دفعتهم لإعادة النظر في استمرارهم ضمن المجلس الاستشاري، مؤكدًا أن بعض مراكز الاحتجاز كانت “خارج أي إطار قانوني أو أخلاقي”.
عليش: سجن سوبا شهد “جرائم ترقى إلى مستوى جرائم حرب”
وفي شهادته خلال المؤتمر الصحفي، كشف الشيخ محمد أحمد عليش، رئيس الدائرة القانونية السابق بالمجلس الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، عن مشاهداته داخل سجن سوبا الذي تديره المليشيا، مشيرًا إلى أنه كان يضم نحو أربعة آلاف معتقل، من بينهم أسرى مدنيون وآخرون لم يُعرف مصيرهم بدقة.
وقال عليش: “سجن سوبا كان مسرحًا لانتهاكات جسيمة ترقى إلى جرائم حرب. لم يكن هناك طعام أو شراب كافٍ، ولا تتوفر أي رعاية صحية، ما أدى إلى وفاة ما بين 40 إلى 50 شخصًا يوميًا، وكانت الجثث تبقى في مكانها لأيام قبل أن يتم دفنها”.
معتقلات خارجة عن السيطرة الرسمية
وتحدث عليش أيضًا عن المعتقلات السرية المنتشرة في ولاية الخرطوم، مؤكدًا أنها لم تكن تحت سيطرة المؤسسة العسكرية للدعم السريع، بل كانت تدار بشكل مباشر من قبل قادة ميدانيين. وقال:
“كنا نمر على هذه المعتقلات، لكن لم تكن لدينا أي سلطة عليها. القادة كانوا يستخدمونها لابتزاز الأهالي، حيث أصبح الإفراج عن المعتقلين وسيلة للكسب المادي.”

محمد علي سليم: عمليات النهب تمت بصورة منظمة ومقصودة (الجزيرة)
“تهديد وجودي”.. منشقون يتهمون الدعم السريع بالتحول إلى أداة لتفكيك الدولة
اتهم إبراهيم بابجي، رئيس دائرة الإدارة والحكم السابق بالمجلس الاستشاري لقائد قوات الدعم السريع، المليشيا بتشكيل “تهديد وجودي للدولة السودانية”، مؤكداً أن انتهاكاتها الواسعة والتدخلات الأجنبية وراء قراره وعدد من زملائه بالانشقاق عنها.
وكشف بابجي أن قيادة الدعم السريع رفضت أي محاولات جادة لإرساء إدارة مدنية حقيقية في مناطق سيطرتها، ووضعت شروطًا مالية مقابل السماح بتلك التجربة، وقال:
سليم: الحرب لم تكن صدفة
من جانبه، شدد عبد العظيم سليم محمد علي، عضو المجلس الاستشاري المنشق، على أن الحرب في السودان لم تندلع عشوائيًا، بل جاءت نتيجة تخطيط مسبق من قوى سياسية أرادت استغلال الدعم السريع كذراع عسكري للوصول إلى الحكم.
وقال سليم في كلمته ببورتسودان:
“هناك قوى سياسية لا تزال حتى اللحظة تنسّق مع مليشيا الدعم السريع، وهي من دفعت البلاد إلى هذا المصير الدموي”.
وأشار إلى وقوع “انتهاكات فظيعة” في المعتقلات أدت إلى وفاة معتقلين تحت التعذيب، مضيفًا أن عمليات النهب التي قامت بها القوات “تمّت بشكل ممنهج بهدف تجويع السكان”، خصوصًا في الخرطوم وولاية الجزيرة.

وزير الثقافة والإعلام خالد الإعيسر رحب بانشقاق القياديين الخمسة (الجزيرة)
وزير الإعلام: خطوة المنشقين ستفتح باب التنوير لحملة السلاح
وصف وزير الثقافة والإعلام السوداني، خالد الإعيسر، إعلان عدد من قيادات المجلس الاستشاري لقائد الدعم السريع انشقاقهم عن المليشيا، بأنه خطوة مهمة على طريق “التنوير الوطني”، داعيًا إلى استثمارها في استعادة العقول المغرر بها.
وقال الإعيسر، خلال المؤتمر الصحفي الذي عُقد بمدينة بورتسودان، اليوم الأحد:
وأكد أن هذه الخطوة قد تكون بداية لتحولات أوسع في وعي حملة السلاح داخل مناطق سيطرة الدعم السريع، مشيرًا إلى أن المليشيا خدعت المواطنين والقبائل، واستدرجت عددًا كبيرًا من الشباب للمشاركة في مشروعها الذي وصفه بـ”الهدام”.
ودعا الإعيسر المنشقين إلى لعب دور فاعل في “مخاطبة العقول المغرر بها”، قائلاً: “نرحب بالذين جاؤوا اليوم، فهي إشارة واضحة إلى أنهم أدركوا حجم التضليل الذي كانوا جزءًا منه، وأن الخط الذي سلكوه في السابق كان خداعًا لا يخدم قضية الوطن ولا وحدته”.
المصدر : الجزيرة