مقالات

إسحق أحمد فضل الله يكتب: لو تكاشفتم، ما دفن أحدٌ أحدًا

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

الكاتب يوسف إدريس، وقصته “البوسطجي”… وفيها:
البوسطجي يزهج من إفشال حياته، وهو ينقل الكلام الفارغ من العقول الفارغة إلى العقول الفارغة.
وفى يوم، يرقد البوسطجي ويفضّ الخطابات… ويقرأها..

والمخرج، الذي يحوّل الرواية إلى فيلم، يجعل الخطابات تتكلم بالصوت..
ومثل مئة راديو في غرفة واحدة، كان المشهد يكشف ما في نفوس الناس..
والمشهد ينتقل… إلى نفوس الركاب داخل أحد البصات.
كلٌّ يحدث نفسه… و…
العالم كله، هو ذلك المشهد..

والحكيم القديم الأحنف يقول:
“لو تكاشفتم، ما دفن أحدٌ أحدًا.”
وفي مسرحية أرض النفاق، أحدهم يدخل “كنتينة” قديمة…
والعجوز فيها يقول للزائر:
هذه أعشاب… هذا عشب للأحلام… وهذا عشب للعبقرية… وهذا عشب للبصر… و…
والزائر يرى نوعًا لا تمسه الأيدي، ويسأل عنه..
والعجوز يهز رأسه محذرًا، ويقول:
“هذا عشب الحقيقة… إن شربت ماءه، أخرج لسانك كلّ شيء على حقيقته. لن تنافق أحدًا، ولن تجامل. وكلّ أحدٍ سوف يعرف حقيقته عندك.”..

الزائر يشتري..
والمشاهد بعدها… كارثة..
الرجل، الذي ينطلق يقول الحقيقة، يخسر كل العالمين..

(المسرحية كتبها “شريدان”، واقتبسها — ربعها، نصفها، تسعة أعشارها — كاتب… وكتب اسمه عليها.)
ولو أن الرجل شرب عصير الفضيحة… لكان له شأن آخر!

وهذا كله… يصبح مقدمة لسؤال هو:
لو أن مؤرخين كتبوا تاريخ السودان بعد أن يشربوا عصير عشبة الحقيقة هذه… ترى، كيف هو المشهد؟
مشهد ما يكتبونه… ومشهد كثيرين بعد نشر الكتاب؟
الحمد لله أن العشبة هذه… ليست موجودة.

 

(2)
وفي ذكرى توفيق الحكيم، تتلفّت مكتبتنا لتجد أن العبقري كتب في المسرح:
“شهرزاد”، و”الطعام لكل فم”، وعشر روايات، وكثير من البراعة.
حين كتب “أهل الكهف”، كان يقول للناس: اصحوا.
وحين كتب “شهرزاد”، كان يقول للعرب: أيام شهرزاد انتهت.
وحين كتب عن العز بن عبد السلام — ذلك الذي أفتى بأن الحاكم المملوكي لا تصح بيعته لأنه “عبد مملوك لبيت مال المسلمين”…
كان توفيق يومها يقول:
العبودية خشم بيوت…
ورؤساء كثيرون اليوم، لا تصحّ بيعتهم!
والحكيم، يومها، وبعد أن صدقته نكسة سبعة وستين…
شرب عصير الصدق… وكتب رسالته الصادمة:
“عودة الوعي”.
والرسالة… يكفي عنوانها عنها.
لكن…
الشعب كان شيئًا قد فات فيه الفوات،
والمعرفة ما عادت تنفع.
و…
المعرفة ما عادت تنفع…
هي جملة يعرفها السودانيون،
بعد الاعتصام.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى