
في الوقت الذي نجحت فيه معظم الدول في السيطرة على مرض الكوليرا بفضل حملات التلقيح وإجراءات الوقاية، عاد المرض ليظهر بقوة في مناطق أخرى حول العالم. فخلال عام 2023 وحده، أبلغت 45 دولة عن حالات إصابة، وكانت القارة الأفريقية هي الأكثر تضررًا.
تصاعد الحديث عن هذا المرض مؤخرًا بعد أن دق ناقوس الخطر في السودان، حيث ينتشر بسرعة كبيرة، خاصة في ولاية دارفور. لقد تحول المرض هناك إلى كارثة صحية حقيقية، أودت بحياة أكثر من 40 شخصًا في أسبوع واحد فقط. وفي اليمن، تجاوز عدد الإصابات 20 ألف حالة منذ بداية العام.
إذًا، ما هي طبيعة هذا المرض؟ وما أبرز أعراضه وكيف يمكن علاجه؟ هذه الأسئلة باتت أكثر إلحاحًا في ظل عودة انتشار المرض في مناطق تعاني من ظروف صعبة.
1- ما هو مرض الكوليرا؟
مرض الكوليرا هو عدوى بكتيرية حادة تشكل تهديدًا عالميًا للصحة العامة، وتسببها جرثومة تُسمى “ضمة الكوليرا“.
ينتقل المرض بشكل أساسي عن طريق شرب المياه أو تناول الطعام الملوث بهذه الجرثومة. لذلك، يُعتبر تفشي الكوليرا في أي منطقة مؤشرًا واضحًا على ضعف التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وأهمية توفير المياه الآمنة، والنظافة الصحية الأساسية، وخدمات الصرف الصحي لجميع أفراد المجتمع.
2- ما أعداد المصابين بالكوليراحول العالم؟
وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالمية، تم الإبلاغ عن حوالي 212 ألف حالة إصابة و2754 حالة وفاة بسبب الكوليرا في 26 دولة، وذلك منذ بداية عام 2025 وحتى 25 مايو من العام نفسه. من جهتها، أفادت صحيفة “ذا غارديان” البريطانية أن عام 2024 شهد ارتفاعًا ملحوظًا في عدد الوفيات، حيث وصل إلى 5805 حالة وفاة، مقارنةً بـ 4007 حالة في عام 2023.
وعلى الرغم من أن الكوليرا تظهر في موجات منتظمة في بعض البلدان، فقد تمر سنوات عديدة قبل ظهور موجة جديدة في مناطق أخرى. خير مثال على ذلك هو لبنان، الذي شهد تفشيًا للمرض في عام 2022 للمرة الأولى منذ عام 1993. تمكنت السلطات هناك من السيطرة على الوضع من خلال حملات تلقيح مكثفة، وتوفير المياه النظيفة، وأدوات النظافة الشخصية، وتتبع المخالطين
3- ما هى أعراض مرض الكوليرا ؟
تظهر أعراض الكوليرا بشكل مفاجئ وسريع، عادة في غضون 12 ساعة إلى 5 أيام من الإصابة. تتراوح حدة الأعراض من خفيفة إلى شديدة جدًا، وهي ناتجة عن فقدان الجسم للسوائل والأملاح.
تشمل الأعراض الرئيسية ما يلي:
- الإسهال المائي الغزير: وهو العرض الأبرز للمرض.
- التقيؤ: يكون مفاجئًا ومتكررًا.
- الجفاف الحاد: وهو أخطر الأعراض، حيث قد يسبب فشلًا كلويًا أو صدمة قاتلة.
- التشنجات العضلية المؤلمة: تحدث نتيجة فقدان الجسم للأملاح.
- هبوط ضغط الدم وسرعة ضربات القلب.
ينبه الأطباء إلى أن معظم الحالات الخفيفة قد تمر دون أعراض واضحة، إلا أن الحالات الشديدة قد تؤدي إلى الوفاة في غضون ساعات إذا لم يتم علاجها. فإذا لم يتم تقديم العلاج السريع، قد تصل نسبة الوفاة إلى 50%.
4 – متى ظهر مرض الكوليرا للمرة الأولى؟
لا يوجد تحديد دقيق لأول ظهور لمرض الكوليرا، لكن يُعتقد أن أول جائحة عالمية سُجلت كانت في القرن التاسع عشر في شبه القارة الهندية. منذ ذلك الحين، حصدت ست جوائح ملايين الأرواح حول العالم.
الجائحة السابعة الحالية بدأت في جنوب آسيا عام 1961 ولا تزال مستمرة حتى الآن. وعلى الرغم من أنه كان من الممكن القضاء على الكوليرا في البلدان الصناعية من خلال معالجة الصرف الصحي، إلا أن المرض لا يزال ينتشر بشكل خاص في أفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وهايتي.
بشكل عام، يزداد خطر الإصابة بالكوليرا في المناطق التي تعاني من الفقر، أو ظروف الحروب والكوارث الطبيعية، حيث تكون مرافق الصرف الصحي غير كافية وظروف الازدحام عالية.
5- أي فئات أكثر عرضة للإصابة بالكوليرا؟
رغم أن أي شخص يمكن أن يصاب بالكوليرا، إلا أن هناك فئات معينة أكثر عرضة للإصابة بأعراض حادة، وتُستثنى من ذلك الأطفال الرضع الذين يكتسبون مناعة من أمهاتهم المصابات سابقًا.
تتضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر:
- الأشخاص الذين يعيشون في بيئات غير صحية: تنتشر بكتيريا الكوليرا في الأماكن التي تفتقر إلى مرافق الصرف الصحي والمياه النظيفة، مثل الدول الفقيرة ومناطق الحروب والكوارث الطبيعية.
- الأطفال والمسنون: يُعتبرون أكثر عرضة للإصابة لأنهم يفتقرون للحماية التي يوفرها حمض المعدة، وهو ما يقل لديهم مقارنة بالبالغين.
- الأشخاص الذين يتناولون مضادات الحموضة: تعمل هذه الأدوية على تقليل حموضة المعدة، مما يسهل نمو البكتيريا.
- المخالطون لمرضى الكوليرا: يزيد التواجد في محيط شخص مصاب من خطر انتقال العدوى.
- متناولو الأسماك النيئة: قد تكون الأسماك المأخوذة من مياه ملوثة بالبكتيريا مصدرًا للعدوى.
6- كيف يمكن الوقاية من الكوليرا؟
الوقاية من مرض الكوليرا تبدأ من اتخاذ مجموعة من الإجراءات على المستويين الفردي والمجتمعي:
على المستوى الفردي
- التلقيح: يوصي الخبراء بأخذ اللقاح الفموي قبل السفر إلى المناطق الموبوءة بمدة لا تقل عن 10 أيام، وخاصة للأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين و64 سنة.
- النظافة الشخصية: احرص على غسل يديك بانتظام بالماء والصابون، خاصة قبل تناول الطعام وبعد استخدام المرحاض.
- المياه الآمنة: اشرب الماء من مصادر موثوقة فقط، وتجنب المياه الملوثة.
- سلامة الغذاء: تأكد من أن الطعام مطهو جيدًا، واغسل الفواكه والخضراوات جيدًا قبل تناولها أو تقشيرها.
على مستوى الدول
- توفير المياه النظيفة: يجب على الحكومات ضمان توفير مياه شرب آمنة لجميع المواطنين.
- معالجة الصرف الصحي: من الضروري معالجة مياه الصرف الصحي بشكل صحيح لمنع تلوث المياه والبيئة.
هذه الإجراءات مجتمعة تقلل بشكل كبير من خطر الإصابة بمرض الكوليرا وانتشاره.
6- هل الكوليرا من الأمراض التي يمكن معالجتها؟
نعم، الكوليرا مرض يمكن علاجه، والعلاج السريع يساهم في خفض معدل الوفيات إلى أقل من 1%. يعتمد العلاج بشكل أساسي على تعويض السوائل والأملاح التي يفقدها الجسم بسبب الإسهال والتقيؤ.
طرق العلاج
- تعويض السوائل بالفم: يُعد هذا الإجراء كافيًا في معظم الحالات.
- السوائل الوريدية: في حالات الجفاف الشديد، قد يتم اللجوء إلى إعطاء السوائل عبر الوريد في المستشفى أو في المنزل.
- المضادات الحيوية: قد تكون جزءًا من خطة العلاج في الحالات الحادة لتقليل الإسهال وتقصير مدة المرض، ويتم استخدامها تحت إشراف الطبيب.
- مكملات الزنك: أثبتت الدراسات أن تناول مكملات الزنك يساهم في تقليل الإسهال وتقصير فترة المرض، خاصة لدى الأطفال.
يجب التأكيد على أن التدخل الطبي الفوري ضروري لتجنب الوفاة، حيث يمكن أن يسبب الجفاف الحاد الوفاة في غضون ساعات.
7- مضاعفات خفية لمرض الكوليرا؟
بالإضافة إلى الجفاف الحاد وهبوط الدورة الدموية الذي قد يسبب الوفاة السريعة، قد يؤدي مرض الكوليرا إلى مضاعفات خفية أخرى، ومنها:
- هبوط سكر الدم: قد يحدث بسبب عدم تناول الطعام نتيجة شدة المرض، مما قد يؤدي إلى فقدان الوعي والوفاة.
- انخفاض مستوى البوتاسيوم: يؤثر فقدان كميات كبيرة من المعادن بسبب الإسهال على وظائف القلب والأعصاب، مما يشكل خطرًا على الحياة.
- الفشل الكلوي: قد يتراكم السائل الزائد في الجسم، مما يشكل خطرًا على الحياة خاصة عند تزامن الفشل الكلوي مع الهبوط الدموي.
- مشاكل صحية لدى الأطفال والنساء الحوامل: قد يؤدي المرض إلى تأخر في النمو الجسدي والعقلي لدى الأطفال بسبب فقدان العناصر الغذائية بشكل متكرر، كما قد يسبب الإجهاض أو الولادة المبكرة لدى النساء الحوامل.
8-ما سبب انتشار الكوليرا في السودان؟
تشهد الأوضاع الصحية في السودان تدهورًا متزايدًا بسبب انتشار وباء الكوليرا، الذي وصل إلى كل ولاية في البلاد بعد عام واحد فقط من ظهوره. ووفقًا لمنظمة الصحة العالمية، تم تسجيل ما يقارب 50 ألف إصابة ومئات الوفيات هذا العام.
وعلى الرغم من استقرار أو انخفاض الحالات في بعض المناطق مثل الخرطوم، فإن الوضع يتفاقم بشكل خطير في منطقة دارفور. وتُعزى هذه الزيادة إلى تضاعف عدد النازحين في شمال دارفور إلى 800 ألف شخص، مما وضع ضغطًا هائلاً على البنية التحتية للمياه والصرف الصحي. وتشير التقارير إلى أن الأفراد هناك لا يحصلون سوى على 3 لترات من الماء يوميًا فقط، وهو ما لا يكفي للاحتياجات الأساسية.
تتجاوز آثار الوباء حدود السودان لتصل إلى دولة تشاد المجاورة، حيث تم تسجيل أكثر من 500 حالة إصابة و30 وفاة في محافظة وداي الحدودية، خاصة في مخيمات النازحين.
انتشار الكوليرا خارج السودان
إضافة إلى السودان، ينتشر وباء الكوليرا بمعدلات كبيرة في مناطق أخرى حول العالم. يُعد الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية مقلقًا للغاية، حيث أبلغ عن أكثر من 33 ألف إصابة ومئات الوفيات هذا العام، خاصة في مناطق الصراع. وفي اليمن، تم تسجيل أكثر من 20 ألف حالة إصابة وسط تضارب في الأرقام بين التقارير المختلفة.
9-أين ينتشر الكوليرا بمعدلات كبيرة خارج السودان؟
إلى جانب الأوضاع المتردية في السودان، الذي يعاني من أزمات صحية وأمنية، ينتشر وباء الكوليرا بشكل مقلق في مناطق أخرى حول العالم.
في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أبلغت منظمة الصحة العالمية عن أكثر من 33 ألف إصابة ومئات الوفيات هذا العام، خاصة في مناطق النزاع. كما تواجه اليمن وضعًا مشابهًا، حيث تم تسجيل أكثر من 20 ألف حالة إصابة، على الرغم من وجود تضارب في الأرقام بين التقارير المختلفة.
10-كيف تتدخل المنظمات الدولية لمواجهة انتشار الكوليرا في العالم؟
تعمل المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الصحة العالمية ومنظمة اليونيسف، على تنفيذ سلسلة من التدخلات المتكاملة لمكافحة تفشي الكوليرا في عدد من الدول، عبر الدعم الفني واللوجيستي والمالي، إلى جانب تعزيز آليات الترصد الوبائي والإنذار المبكر.
وتشمل هذه الجهود تدريب الكوادر الصحية، وتزويد المرافق الطبية بالإمدادات الضرورية والمعدات الخاصة بعلاج المصابين، فضلاً عن توفير الدعم اللوجيستي لإدارة الأزمات الصحية المعقدة. كما تقدم تلك المنظمات مساعدات مالية للحكومات المتضررة من أجل تنفيذ التدخلات الوقائية والعلاجية العاجلة.
ويبرز دور هذه المنظمات كذلك في تعزيز أنظمة الإنذار المبكر وجمع البيانات الوبائية وتحليلها، لتحديد المناطق الأكثر عرضة للوباء وتوجيه التدخلات إليها بصورة عاجلة وفعالة.
وتتضمن التدخلات الميدانية أيضاً إنشاء مراكز علاج متخصصة بالكوليرا، وتوزيع الأدوية المنقذة للحياة، إضافة إلى دعم حملات التلقيح الفموي التي تُعد إحدى أهم وسائل الوقاية الجماعية في البيئات المعرضة لتفشي المرض.
وبهذه الجهود، تسعى المنظمات الدولية إلى الحد من الوفيات وتقليل آثار الكوليرا على المجتمعات الهشة، خاصة في مناطق الصراع والأزمات الإنسانية.