
بطاقة هوية…
كفن من طرف السوق وشبر في المقابر…
يا لله…
والسودانيون، من بين كل كتابات صلاح، يفتنون بهذا البيت لأنه يوجز رؤية السوداني للحياة وحكايتها…
المثقفون عندهم هذا،
والعامة عندهم معلقة الطيب ود ضحوية… التي تكتب الرقم الوطني للسوداني:
أنا…
أنا حلال رفيقو،
أنا الدابي إن رصد للزول بعيقو،
أنا فرج الرجال وكتين يضيقوا،
أنا المأمون على بنوت فريقو،
أنا البحر الكبير وكتين ينيل،
أنا الرمد البخلي العين تسيل،
أنا الجن المخالتاه أم غزيل…
وقالوا من طرف سوق السوداني إن ود سعد في معركة أبو طليح ضد الإنجليز، حكى عنه الخدام وقال:
بعد المعركة، والناس مجدعة، جيت أفتش ليهو وسط الراقدين… ولقيتو وكراعو مقطوعة. قال لي:
ـ الحريم… شن سون؟
قلت له: وقعن البحر، ساقتن كلتوم.
قال: امش شوف فلانة وفلانة (من نساء البيت)، أكان لقيتهن حيات أكتلن.
قال… وجيت ولقيت المرا والبت، وكلمتهن بكلام ود سعد. وقلت للمرا: أنا ما بكتلكم، إنتو أماتي… وقعدت أبكي، وهن يبكن…
بطاقة هوية السوداني هي هذه..
والناس تفتن بأغنية إسماعيل، التي فيها وصف السوداني:
أبو جلابية وتوب،
وسروال ومركوب،
جبة وصديري،
وسيف وسكين…
وبعد أن دار الزمان ولبس الأفندية الجاكتة، وسكنوا العمارات، كان المشهد هو:
بين الديوم والامتداد
شارع ظلط للعين يبين
لكنه مو شارع ظلط
دي آلاف السنين…
حتى بعد السنين الألوف، ظل الناس ـ الأفندي والعنقالي ـ كلهم في البلد جلابية وتوب.
وما تحت الجلابية والتوب هو أخلاق ود سعد…
وحتى الأعوج عند السوداني كان أعوجًا نظيفًا لا يتعفن.
حتى الهمبتة… قطع الطريق… كانت شيئًا له طرب الرجالة.
وكان المعتاد أن الهمباتي حين يلقى راعي الإبل في الخلاء، فإن المعتاد هو أن من يذهب بالإبل هو واحد من الرجلين… يذهب هذا بعد أن يدفن هذا ويحدد قبره.
والمعتاد أن القاتل يذهب حتى يقف على طرف فريق القتيل، ويضرب الرورى، حتى إذا اجتمع الناس، قال:
ـ أنا فلان… من حلة كذا… وزولكم فلان أدي الرجالة حقها… وهسع هو مدفون في مكان كذا وكذا.
والمعتاد أن هذا الصائح لا يمسه أحد حتى يبلغ مأمنه…
الرقم الوطني للسودان هو أنه أول بلد في الأرض يقاتل بلا حكومة، ويقاتل أعظم جيش في الأرض… الإنجليز.
ويجعل صاحب الإنجليز يقول الجملة تلك:
قال: كانوا أشجع من مشى على قدمين…
الشعب هذا يريد هذا الأبله أن يطرده من أرضه ويقعد هو فيها…
ط…!!!