
متابعات _ اوراد نيوز
في زمان ما يفعله العالم الصليبي بأطفال غزة، قالوا: دخلت على صلاح الدين الأيوبي امرأة ترتدي خيوطاً مما كان قميصاً… وكانت المرأة شيئاً يشبه شجرة شوكية جافة، سيقانها مغطاة بالجروح والدمامل، والدمامل مغطاة بالتراب والعرق والجوع والشمس والمرض. وشعرها مثل أغصان شوكية جافة، وفمها متشقق وجفونها متورمة..
كانت المرأة ترتجف من الحمى والجوع والحزن والتعب، والموت يفوح منها. كانت تلهث، ولما أرادت أن تتحدث لم يخرج منها صوت… وظل فمها يتلوى لينطق، وما سمعه الحضور كان حشرجة… ومثل خيط الدخان تتلوى الحشرجة وتصبح كلمة، ثم كلمة تُفهم، ثم…
قالت: يا صلاح الدين… يا سلطان المسلمين… يا صلاح الدين… يا سلطان المسلمين…
كان يبدو أنها قالت هذا لنفسها آلاف المرات، وأن ما تريد أن تقوله يزدحم في نفسها ويخنق بعضه بعضاً من اللهفة والخوف والعقل المترنح..
قالت: يا صلاح الدين… يا سلطان المسلمين… أنا لا أفهم في كل هذا القتال… كل هذا الحديد والصراخ والدماء… كل هذا الـ… الـ… ولكن ما عندي هو أنني أم، وأن جنودك أخذوا طفلي مني.
يا صلاح الدين، يا سلطان المسلمين… لما صرخت، لما جننت، لما عضضت الصخر… لما عضضت عظامي… قال لي الناس: اذهبي إلى صلاح الدين سلطان المسلمين، وهو سوف يرد عليكِ طفلك… يا صلاح الدين..
وجئت أمشي… مشيت في البلاد، في الخلاء، في الشوك، في المطر، في الجوع… وأنا أسأل الأشجار وسراب الصحراء: أين ألقى صلاح الدين؟
يا صلاح الدين، جئت أمشي الأيام والليالي… قطعت أشجاراً، أشجاراً، أشجاراً… فأنا أم تبحث عن ولدها. قطعت رمالاً، تلالاً، تلالاً… فأنا أم تبحث عن ولدها. أكلت الأرض أقدامي… الأحجار، الشوك، الدروب أكلت أقدامي… وأنا أم تبحث عن ولدها. حتى وصلت إليك… يا صلاح الدين، يا سلطان المسلمين… رد عليَّ ولدي…
للحظات كان كل أحدٍ في المجلس يسمع تنفُّس الآخرين من حوله.
……وصلاح الدين يُطلق أوامره لجميع الجنود:
“كل جندي عنده طفل من الأسرى عليه أن يأتي به”.
ووقف صف طويل من الجنود، وأطفال أسرى أمامهم..
والمرأة التي تنتفض من الحمى لم تَمْشِ أمام الصف…
المرأة – وفي لمحة خاطفة وصرخة مثل ضربة البرق – تجمد، ثم تجري وتسقط وتنهض وتجري إلى مكانٍ في منتصف الصف… وطفل هناك يقفز إليها وهو يصرخ:
“أمِّي… ييييي!”
والدرديري – أمس الأول – يكتب عن كيف أن كتابات العالم اليوم تتفق على أنه لم يبقَ إلا القوة والأنياب..
والحكاية التي يستعيدها: أننا حين نصرخ ونغضب لما يفعله العالم بأطفال غزة، فإننا بهذا لا نصنع شيئاً أكثر من كشف جهلنا بالعالم اليوم..
كل مدينة في العالم الإسلامي هي “غزة” القادمة… ما لم نعرف أن العالم اليوم لا يبقى فيه إلا من يقتل، حتى لا يُقتل.
وحرب إعلامية قادمة…
والبندر يكشف كيف أن الشيوعي ظل غواصة الإمارات ومكتب مخابراتها في السودان..
وثورة 86… واليسار يسلّم ملفات مخابراتنا لإثيوبيا.
وأيام “قحت”… و”قحت” تسلّم ملفات مخابراتنا لبريطانيا.
وأيام الصادق…
بينما مخابراتنا تقاتل حتى بعد الموت..
ففي مكاتب مخابرات كسلا نجد صورة ضابط المخابرات الذي استشهد في معركة هناك..
والضابط هذا – حين حُوصر وعرف أنه سيُقتل – كان ما يهمه هو أنه كان يحمل بطاقة شفرة الاتصالات، وأنها إن سقطت في يد العدو اخترق الجيش..
والضابط، الذي يعرف طبع زملائه، يستخدم هذا الطبع لإيصال الشفرة إليهم بعد موته..
الشاب يُلصق البطاقة في جسده بحيث لا يجدها إلا من يقوم بغسله وتكفينه..
وهذا ما حدث.
نحن لا نسقط أبداً.