
متابعات _ اوراد نيوز
في ظل التطورات المتسارعة على الساحة السودانية، حيث تشهد ولايتا الخرطوم والجزيرة تقدمًا ملحوظًا للقوات المسلحة على حساب قوات الدعم السريع، يعيش مئات الآلاف من السودانيين المقيمين في مصر حالة من القلق والترقب.
وسط هذه الأجواء، تتصاعد الدعوات بين أوساط الجالية السودانية في مصر للعودة إلى الوطن بعد انقضاء شهر رمضان المبارك، وقد شهدت شركات النقل بالفعل إقبالًا متزايدًا على حجز تذاكر العودة، مما يعكس رغبة الكثيرين في العودة إلى ديارهم في أقرب فرصة ممكنة. وتشير التوقعات إلى أن أعداد العائدين ستشهد ارتفاعًا ملحوظًا بعد عيد الأضحى المبارك.
هذا التوجه يعكس حالة من الأمل والتفاؤل لدى البعض، الذين يرون في تقدم القوات المسلحة مؤشرًا على قرب انتهاء الحـ ـرب وعودة الاستقرار إلى البلاد. ومع ذلك، يظل القلق سيد الموقف لدى الكثيرين، الذين يخشون من استمرار الأوضاع غير المستقرة وتداعياتها المحتملة.
ومنذ منتصف أبريل 2023، يشهد السودان تمرداً مسلحًا من قوات الدعم السريع فى مواجهة الجيش السوداني، مما أدى إلى أزمة إنسانية واسعة، حيث نزح ملايين المدنيين داخليًا وفرّ آخرون إلى دول الجوار.
في الآونة الأخيرة، حقق الجيش السوداني تقدمًا عسكريًا مهمًا، حيث استعادت القوات المسلحة السودانية السيطرة على العديد من المدن الإستراتيجية التي كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وخلال عامين تستقبل القاهرة موجات متتالية من السودانيين الفارين من الحــ ـرب الدائرة البلاد، مما أحدث تحولات جذرية في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للمدينة.
فقد أدى التدفق الهائل إلى ظهور واقع جديد يتجلى في مختلف جوانب الحياة اليومية، حيث انتشرت المشروعات الصغيرة التي يديرها سودانيون، وشهدت أسعار الإيجارات السكنية ارتفاعًا ملحوظًا.
ورغم غياب الإحصاءات الرسمية الدقيقة التي تحدد أعداد الوافدين الجدد، فإن التقديرات تشير إلى أن أعداد السودانيين في مصر قد قفزت إلى ما بين 750 ألفًا وثلاثة ملايين، وهي أرقام تضاف إلى الجالية السودانية المقيمة بالفعل في مصر قبل اندلاع الحرب.
هذا التزايد الكبير في أعداد السودانيين في مصر يفرض تحديات جمة على مختلف الأصعدة، ولكنه في الوقت نفسه يخلق فرصًا جديدة للتفاعل الثقافي والاقتصادي بين الشعبين.
توقعات عودة السودانيين إلى بلادهم
عودة السودانيين إلى بلادهم ستؤثر بشكل ملحوظ على الحياة اليومية في مصر، خاصة في المناطق التي تشهد كثافة سكانية سودانية، مثل محافظتي الجيزة والقاهرة. وقد أبدى العديد من السودانيين، الذين التقي بهم أثناء إعداد هذا التقرير، رغبتهم في العودة بسبب التقدم العسكري للقوات السودانية، بالإضافة إلى صعوبة تحمل الأوضاع الاقتصادية في مصر أو تسوية أوضاعهم القانونية، مما جعل من الصعب عليهم الحصول على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة.
خلال تصريحات لـ«الشروق» توقع إبراهيم عز الدين، رئيس الجالية السودانية في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية عودة أعداد كبيرة من السودانيين إلى بلادهم بعد عيد الفطر المبارك، وذلك مع تحسن الأوضاع الأمنية في بعض المناطق.
وأوضح عز الدين أن مدينة العاشر من رمضان أصبحت وجهة مفضلة للعديد من السودانيين، وذلك بفضل انخفاض تكاليف السكن والمعيشة مقارنة بمحافظتي القاهرة والجيزة. وأشار إلى أن هذا الانتقال يعكس سعي السودانيين إلى البحث عن بدائل معيشية أكثر استقرارًا في ظل الظروف الراهنة.
وفيما يتعلق بأعداد العائدين، أكد عز الدين أن نسبة الأسر التي غادرت إلى السودان حتى الآن تتراوح بين 15 و20% فقط، وهي نسبة تعتبر ضئيلة مقارنة بأعداد السودانيين الذين وصلوا إلى مصر منذ بداية الأزمة. وأشار إلى أن هذا يعكس استمرار حالة عدم اليقين والقلق بين أفراد الجالية السودانية، الذين يفضلون البقاء في مصر في الوقت الحالي.
من جهته، توقع إبراهيم عز الدين، رئيس الجالية السودانية في مدينة العاشر من رمضان بمحافظة الشرقية، عودة عدد كبير من السودانيين بعد عيد الفطر، مع استقرار الأوضاع الأمنية في بعض المناطق. وأوضح أن كثيرًا من السودانيين انتقلوا إلى مدينة العاشر من رمضان وغيرها من المدن بسبب انخفاض تكلفة السكن والمعيشة مقارنة بمحافظتي الجيزة والقاهرة. كما أشار إلى أن نسبة الأسر التي غادرت إلى السودان تقدر ما بين 15 إلى 20%، وهي نسبة صغيرة مقارنة بعدد السودانيين الذين قدموا إلى مصر بعد بداية الحرب.
في هذا السياق، أكد أحمد عوض، رئيس المجلس الأعلى للجالية السودانية في مصر، أن عودة السودانيين إلى وطنهم باتت أمرًا حتميًا بنسبة “مليون في المئة”، مرجحًا أن يبقى عدد محدود في مصر بسبب ارتباطاتهم بمشاريع أو ظروف خاصة. وأبرز أن المواطن السوداني يتسم بعزة نفس تجعله قادرًا على العيش حتى في خيمة إذا فقد منزله، معبرًا عن تفاؤله بمستقبل العودة مع تحسن الأوضاع في السودان.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات السودانية التي دخلت مصر بعد الحرب، فقد أكد عوض أنه من الصعب تقدير حجم هذه الاستثمارات بشكل دقيق، نظرًا لأن العديد من رجال الأعمال السودانيين كانوا يعيشون في مصر قبل الحرب، حيث كانوا يمتلكون عقارات في مناطق مثل مدينتي والرحاب، وبذلك كانت أول من حضر لممتلكاتهم بعد اندلاع الحرب. وأضاف عوض أن الاستثمارات التي دخلت مصر تتمثل في مشروعات ومحلات تجارية لا تقتصر فقط على المناطق الشعبية، بل تشمل أيضًا علامات تجارية سودانية معروفة. ويعتقد أن السودانيين سيستمرون في إدارة هذه المشروعات حتى بعد عودتهم إلى بلادهم.
وتعكس هذه التوقعات أن السودانيين في مصر يعيشون أوضاعًا اقتصادية صعبة، حيث يعتمد الكثير منهم على تحويلات مالية من أقاربهم في الخارج، فيما يحصل عدد قليل منهم على دعم من المنظمات الدولية، بينما يسعى البعض الآخر لتأسيس مشروعات تجارية لتوفير مصاريف إقامتهم.
في تحليلها للوضع الراهن، سلطت أسماء الحسيني، المتخصصة في الشأن الإفريقي، الضوء على التحديات الاقتصادية التي تواجه السودانيين الوافدين إلى مصر بعد اندلاع الحرب في بلادهم.
وأكدت الحسيني أن هؤلاء الوافدين يواجهون صعوبات جمة في تأمين مصادر دخل ثابتة، مما اضطرهم إلى الاعتماد بشكل كبير على شبكات التكافل الاجتماعي داخل الجالية السودانية. وأشارت إلى أن هذا الوضع يعكس هشاشة الأوضاع المعيشية التي يعاني منها الكثيرون في ظل الظروف الراهنة.
ومع ذلك، أعربت الحسيني عن تفاؤلها بشأن المستقبل، مؤكدة أن الأوضاع في السودان ستشهد استقرارًا في نهاية المطاف بعد انتهاء الحرب، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على السودانيين المقيمين في مصر. وأضافت أن عودة الاستقرار ستتيح لهم فرصًا أفضل لتحسين أوضاعهم المعيشية والمساهمة في الاقتصاد المصري.
من جانبه، أكد صديق تاور، عضو مجلس السيادة السوداني السابق ورئيس مبادرة مناصرة السودانيين في القاهرة، أن بوادر عودة السودانيين إلى وطنهم بدأت بالفعل خلال الأيام القليلة الماضية.
وأشار تاور إلى أن حالة من الانفلات الأمني لا تزال قائمة، على الرغم من الهزائم والانسحابات المتتالية لقوات الدعم السريع أمام القوات المسلحة السودانية. وأكد أن استمرار الاستقرار الأمني وتحقيقه بشكل كامل سيشكل العامل الحاسم في استدامة عودة السودانيين إلى بلادهم.
وفي سياق متصل، قدر تاور أعداد السودانيين الذين لجأوا إلى مصر بحوالي ثلاثة ملايين مواطن خلال العام الماضي، مشيرًا إلى أن جزءًا منهم دخل البلاد بصورة غير شرعية. وأوضح أنه لا يتوقع انتقال السودانيين واستثماراتهم بشكل فوري بعد إعلان الجيش عن تقدمه، وذلك بسبب استمرار حالة عدم الاستقرار بشكل نهائي.
تعكس هذه التصريحات رؤية حذرة ومتوازنة للوضع الراهن، حيث تجمع بين الأمل في تحسن الأوضاع الأمنية وعودة اللاجئين، وبين الواقعية التي تدرك أن استقرارًا كاملًا لم يتحقق بعد.