
متابعات _ اوراد نيوز
مع تحرير العاصمة السودانية الخرطوم من قبضة قوات الدعم السريع، تتصارع في نفوس عشرات الآلاف من النازحين مشاعر متضاربة بين الرغبة في العودة إلى ديارهم والحيرة والقلق بشأن الواقع الذي ينتظرهم هناك.
وأفادت المنظمة الدولية للهجرة في تقرير حديث صادر عنها، أن السودان يشهد أزمة نزوح داخلي واسعة النطاق، حيث بلغ عدد النازحين ما يزيد عن 11 مليون شخص، بمن فيهم أولئك الذين نزحوا قبل اندلاع الصراع الحالي.
وأشارت المنظمة إلى أن العاصمة الخرطوم وحدها شهدت نزوح حوالي 3.5 مليون شخص، وهو ما يمثل 31% من إجمالي عدد النازحين داخليًا.
وفي تطور لافت، سجلت المنظمة انخفاضًا طفيفًا في أعداد النازحين خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بنسبة 2.4%، وهو أول انخفاض يتم تسجيله منذ بدء الأزمة قبل نحو عامين.
وأوضحت المنظمة أن هذا الانخفاض يعود بشكل رئيس إلى عودة بعض النازحين إلى مناطقهم الأصلية، إلا أنها حذرت من أن هؤلاء العائدين يواجهون ظروفًا صعبة للغاية، حيث يعودون إلى مناطق مدمرة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة، مثل المأوى والغذاء والخدمات الأساسية.
ووفقًا لبيانات المنظمة، فقد عاد حوالي 397 ألف شخص إلى ديارهم في ولايات الجزيرة وسنار والخرطوم منذ ديسمبر 2024.
وترى المنظمة أن هذه التحركات تمثل تطورًا إيجابيًا، حيث تعكس رغبة النازحين في استعادة حياتهم، إلا أنها تحذر من أن عملية إعادة الإعمار والتأهيل ستكون طويلة وشاقة.
روايات متضاربة
يعكس عبدالله السيد، الذي فقد منزله وممتلكاته خلال الحرب، حجم المعاناة التي يواجهها الكثيرون، حيث يتساءل بمرارة عن كيفية العودة وإعادة بناء حياته من الصفر بعد أن فقد كل شيء جمعه من غربة خارج اسودان إمتدت لعشرين عاماً.
حال محمد إبراهيم لا يختلف كثيرًا، فهو غير قادر على العودة في الوقت الحالي بسبب ظروف دراسة أطفاله في مدينة عطبرة، إضافة إلى عدم معرفته بحال منزله وحيه في الخرطوم.

أما زينب أحمد محمد صالح، التي تقيم حاليًا في منطقة حلفا، تصف الوضع في الخرطوم بأنه قاتم، وتشير إلى أن الظروف الأمنية غير مستقرة، إضافة إلى تدمير المستشفيات والمراكز الصحية، مما يجعل العودة غير ممكنة بالنسبة لها ولأسرتها التي تحتاج إلى رعاية صحية.
من جهة أخرى، يتردد محمد سعيد بين الحين والآخر على منزله في الخرطوم بحري للاطمئنان عليه، ويؤكد أن المنطقة تفتقر إلى جميع الخدمات الأساسية،حيث يتوفر الماء ، بينما تتأرجح الكهرباء بين الإنقطاع الطويل والعودة لساعات، إلا أنه يتوقع العودة مع عائلته رغم هذه الظروف الصعبة.
هاني نصار، صاحب شركة تعبئة وتغليف، يرى أن الأوضاع الكارثية التي خلفتها الحرب تعقد مسألة العودة، ويعتبر أن البقاء في عطبرة أفضل لعائلته في الوقت الحالي.
في المقابل، تستعد أسرة السر الريح للعودة إلى ضاحية الكلاكلة، رغم الظروف الصعبة وانعدام الخدمات، وذلك بسبب نفاد مدخراتهم وعدم قدرتهم على تحمل تكاليف المعيشة في مصر.
لجنة الأمن في ولاية الخرطوم
أعلنت لجنة الأمن في ولاية الخرطوم عن حزمة من الإجراءات الاستباقية للتعامل مع المرحلة المقبلة، حيث كشف مصدر حكومي عن صدور توجيهات تقضي بتعزيز انتشار القوات الأمنية للحد من الأنشطة الإجرامية وتأمين المواقع الاستراتيجية الحيوية في المناطق التي تم تحريرها.
وأشار المصدر إلى أن الحكومة تبذل جهودًا مكثفة لإعادة خدمات الكهرباء والمياه، رغم التدمير الهائل الذي لحق بمحطات الكهرباء نتيجة لقصف قوات الدعم السريع.
وفي سياق متصل، قامت هيئة الطب العدلي التابعة لوزارة الصحة بولاية الخرطوم، بالتعاون مع قوات الدفاع المدني والهلال الأحمر السوداني، بتنفيذ حملات ميدانية في منطقة شرق النيل منتصف مارس الماضي لجمع الجثث وتطهير وتعقيم الشوارع والمرافق العامة والمنازل، بهدف تهيئة الظروف لعودة آمنة للمواطنين إلى ديارهم.
الشرطة السودانية
أكد الناطق الرسمي باسم الشرطة السودانية، العميد فتح الرحمن محمد التوم، في تصريح صحفي، أن قوات الدعم السريع المتمردة تعمدت منذ بداية الحرب إلى تدمير البنية التحتية الأمنية، بما في ذلك مباني وأقسام الشرطة، ومساكن الضباط والأفراد، والمستشفيات التابعة للشرطة، ومراكز تقديم الخدمات للمواطنين، والأقسام الجنائية.
وأشار التوم إلى أن حجم الأضرار كبير ويتطلب جهودًا مضنية لإعادة تأهيل المنشآت المتضررة، إلا أن الشرطة عازمة على القيام بكل ما يلزم لإعادة بناء هذه المنشآت.
وأوضح المتحدث أن الشرطة قامت بنشر قواتها في المناطق التي تم استعادتها لتأمينها، واستأنفت عملها في الأقسام الجنائية لاستقبال بلاغات المواطنين، كما قامت بنشر دوريات ونقاط تفتيش لتأمين الأحياء والمواقع الحيوية، بهدف تهيئة الظروف لعودة المواطنين إلى منازلهم بسلام.
كما أعلنت لجنة أمن ولاية الخرطوم عن اتخاذ تدابير لتأمين المرافق الحيوية وإعادة خدمات الكهرباء والمياه، بالإضافة إلى حملات لجمع الجثث وتطهير المناطق المتضررة.