مقالات

أماني الطويل : هذه هى أهداف الإدارة الأميركية من اجتماع الرباعية

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

يثير اجتماع واشنطن المرتقب خلال أيام في شأن مستقبل الحرب في السودان عدداً من الأسئلة حول أطراف الاجتماع وهندسته السياسية، وكذلك المؤشرات المرتبطة بمخرجاته في ضوء الموقف الأميركي من التفاعلات العسكرية السودانية من جهة، وحال التضاغط الإقليمي المشهودة حول مستقبل المعادلات الداخلية السودانية من جهة أخرى، وذلك في وقت لم تُدع فيه إلى هذا الاجتماع لا أطراف الحرب ولا الأطراف المدنية السودانية، وهو أمر لا بد أن يكون محل حساسية وقدر من رفض من القوى السياسية والنخب السودانية بصورة عامة، بغض النظر عن الانحيازات والانتماءات السياسية.

ويمكن القول بصورة عامة إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تستهدف من هذا الاجتماع ثلاثة مخرجات: الأول طرح مشروعها لوقف الحرب ومناقشته مع حلفائها الإستراتيجيين في منطقة الشرق الأوسط، والهدف الثاني هو الاطلاع على المشهد السوداني بصورة عامة من المنظور الإقليمي – العربي، الذي يبدو أن تباين وجهات النظر بين أطرافه قد بات أحد تحديات إنهاء الحرب السودانية .أما الهدف الثالث فهو تقريب وجهات النظر بين الأطراف العربية، والسعي إلى تمرير المشروع الأميركي بحوامل إقليمية متفقة لا متصارعة في شأن السودان.

وبطبيعة الحال تتموضع هذه الأهداف الأميركية الثلاثة تحت مظلة قلق واشنطن من تداعيات الحرب السودانية على الأمن والمصالح الدولية، بما في ذلك تنامي التهديدات الإرهابية، والتأثير في الملاحة بالبحر الأحمر، وإمكان توسع النفوذ الروسي أو الإيراني.

في هذا السياق قد يكون التحدي الأول أمام المستهدفات الأميركية هو طبيعة التباين بين واشنطن وأبوظبي من جهة والرياض والقاهرة من جهة أخرى في تصنيف أطراف الحرب السودانية، من جهة حالة الشرعية والجدارة ومستوى المشاركة في المعادلات المستقبلية في السودان، إذ يتوقف نجاح الاجتماع على موازنات إقليمية، وتوافق دول الرباعية حول ترتيبات وقف إطلاق النار، وما يعقبها من عملية سياسية بمشاركة الأطراف السودانية المتفق عليها.

وطبقاً لتقديراتنا، فإن تحقيق الأهداف الأميركية من اجتماعات الرباعية أمامه تحديات ليست بالسهلة خصوصاً مع القاهرة التي يعد الوضع في السودان أحد معطيات أمنها القومي، وتأثرت بالحرب السودانية علي نحو لا يقارن بأية دولة أخرى، إذ إنها تحمّلت ولا تزال أعباء النزوح السوداني الضخم إلى مصر على مدى زمني قصير.

أما على صعيد الرياض فثمة مخاوف من تصاعد التهديدات الأمنية في البحر الأحمر من الشواطئ السودانية، وذلك في ضوء التقارير التي تشير إلى حال تشبيك وتنسيق واقعة حالياً بين الحوثي في اليمن وتنظيم شباب المجاهدين في الصومال، وكذلك بعض الأطراف الميليشياوية السودانية، إذ يبدو أن هذا التهديد مؤثر، خصوصاً أن لكل من السعودية والسودان شواطئ متواجهة لا يفصلها إلا مساحة عرض البحر الأحمر.

وطبقاً لهذا المشهد تتفق مصر والسعودية من جهة والولايات المتحدة على الأهداف الكبرى المتعلقة بإنهاء الحرب في السودان وتحقيق الاستقرار، منها أنه لا حل عسكرياً ممكناً لهذه الحرب، وأن منصة جدة واتفاقات المنامة ومخرجاتهما ما زالت صالحة لوقف إطلاق النار، فضلاً عن الاتفاق في شأن ضرورة التدخل لحل الأزمة الإنسانية في السودان.

أين تقف الإدارة الأميركية من الحرب؟

أما على صعيد الخلافات بين واشنطن والقاهرة والرياض فإنها في تقديري تتعلق بنقطتين، الأولى الموقف من الجيش السوداني، والموقف من الحكم المدني. في النقطة الأولى لا بد من الإقرار أن الموقف الأميركي يبدو محايداً على المستوى الإجرائي بين الأطراف العسكرية المنخرطة في الحرب السودانية، إذ يجري إقرار العقوبات الأميركية على الطرفين بالتساوي، كما ترفض واشنطن شرعنة سلطة الأمر الواقع التي يمارسها الجيش، دعماً لحكم مدني.

لكن في السياق ذاته لا يمكن إنكار أن ثمة مشروعاً أميركياً للسودان يجري بلورته حالياً استجابة لمصالحها المنفردة والمرتبطة بالموارد الأفريقية بصورة عامة، وهي الموارد ذات العلاقة بمتطلبات التكنولوجيا والبطاريات الكهربائية. هذا الاهتمام الأميركي انعكس في استضافة واشنطن اتفاق الكونغو للسلام مع رواندا، وأيضاً مع انخراطها في ممر لابيتو الأفريقي للمعادن، وأيضاً مع حال الاستثناء التي جرت مع الصمغ العربي إبان العقوبات الأميركية على السودان، بسبب تصنيفها دولة راعية للإهاب في عهد الرئيس البشير.

أما الموقف السعودي – المصري المشترك فإنه يرفض الضغط على الجيش السوداني إلى حد أن يسهم هذا الضغط في تمزيق السودان، بما يعني تهديد أمنهما القومي، وانفتاحهما على مواجهات محتملة مع ميليشيات مسلحة، خصوصاً أن هناك حزمة من الفصائل السودانية المسلحة غير مضمون مدى التزام بعضها في التحالف مع الجيش، بينما يدير قسم آخر منها مناطق لا تقع تحت سيطرة الجيش ولا الدولة.

وفي ما يخص التحول إلى حكم مدني فيبدو لي أن المقولات الأميركية في هذا الصدد ذرائعية أكثر منها مبدئية، ذلك أن واشنطن لديها مشروع الشرق الأوسط الجديد القائم على تفتيت الدول حماية للأمن الإسرائيلي بصورة مطلقة من دون الالتفات على نحو واضح إلى متطلبات أمن الدول الأخرى، كذلك فإن واشنطن على مدى فترتي حكم بايدن وترمب لم تكن منخرطة بصورة مخلصة في المشكل السوداني بحيث تسهم في إنتاج حل جذري، إذ تراوح موقفها من الجيش بين رفض التفاعل معه أحياناً، والتفاعل معه في أحيان أخرى على الأقل في محطة سويسرا التفاوضية، كذلك فإنها لم تردع على نحو جاد الأطراف الداعمة لـ”الدعم السريع”، على رغم اتساع حجم الانتهاكات ضد الإنسانية، بما يوحي أن هناك وظيفة ما يقوم بها “الدعم السريع” في المشروع الأميركي الكبير، وذلك فضلاً عن قبولها رئيساً في لبنان يحمل خلفية عسكرية بما أصاب صدقية موقفها في رفض حكم المكونات العسكرية.

أما ما يخص الحكم المدني فلا أحد ينكر أن واشنطن انخرطت في دعم حكومة عبدالله حمدوك المدنية، ذلك فإنها على صلة جيدة بالمكونات السياسية المدنية السودانية، وتدعم رؤاهم في ما يخص ضرورة التحول لحكم ديمقراطي، وذلك في وقت لا تبدو دول المنطقة بطبيعة تكوينها متحمسة لحكم مدني، وإن كانت تبدو حالياً مضطرة إلى تمريره في ضوء عدد من المحددات، منها السعي إلى بلورة علاقات مدنية – عسكرية سودانية، تستجيب لواقع التحديات الأمنية الداخلية السودانية، وتستجيب أيضاً إلى حقيقة أن عدم وجود حكم مدني في السودان قد يعني صيغة هشة لوقف الحرب قابلة للانهيار، ومهددة للاستقرار السياسي.

في هذا السياق، عقدت القاهرة مؤتمراً للقوى السياسية السودانية سعت فيه إلى تحقيق توافق داخلي في شأن معادلات اليوم التالي للحرب، باعتبار أن ذلك معطى رئيس لوقف الحرب، كما تسعى حالياً إلى عقد المؤتمر الثاني للقوى السياسية السودانية، لكن يبدو أن هذه الخطوة ستكون مرهونة بضوء أخضر إقليمي وأميركي عطفاً على مخاوف من زيادة الوزن المصري على حساب الأطراف الأخرى في حل المشكل السوداني، وهو أمر يجري مقاومته من الجانب الغربي تاريخياً طبقاً لما شهدناه من وثائق دولية.

إجمالاً، سوف تشهد اجتماعات واشنطن المرتقبة تضاغطاً عنيفاً بين أطرافه، وفي حال وصول الأطراف إلى تفاهمات، سيكون مطلوباً بلورة مخططات تسعى إلى التوافق في إطار ما اصطلح على تسميته دبلوماسياً بالمسار الثاني غير الرسمي، وهو المسار الذي يمكن أن تسهم فيه مراكز التفكير السودانية والعربية، وذلك بغرض إعداد جيد وصحيح لأية منصات تفاوضية جديدة بين أطراف الحرب السودانية وحلفائهما من السياسيين، بحيث تنتج صيغ عدة للتوافق وهندسة مقبولة ومتوازنة لمصالح جميع الأطراف .

إندبدنت عربية

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى