عالمية

لماذا وافقت إيران مبدئيا على إيقاف الحرب ضد إسرائيل

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

أوضح الدكتور فراس إلياس، الباحث المتخصص في الشؤون الأمنية الاستراتيجية بمنطقة الشرق الأوسط، رؤيته حول مسار الحملة العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد إيران، مقدمًا تحليلًا معمقًا للموقف الإيراني وتداعيات الصراع.

 

 

منذ اللحظات الأولى لاندلاع العملية العسكرية الإسرائيلية، بدا جليًا أن إيران كانت مدفوعة لخوض هذه الحرب قسرًا، وغير راغبة في توسيع نطاقها أو رفع مستوى المواجهة إلى حد يستنزف قدراتها العسكرية والبشرية والاقتصادية. كانت التقديرات الاستخباراتية الإيرانية تشير بوضوح إلى أنها الهدف التالي لإسرائيل.

 

 

لقد أدركت طهران أن العقيدة العسكرية الإسرائيلية تجاهها قد تحولت بشكل جذري منذ أحداث 7 أكتوبر، من مجرد الردع العسكري إلى السعي نحو الحسم العسكري. وبناءً على ما حدث في غزة ولبنان، وسقوط نظام الأسد، تيقنت القيادة الإيرانية أن التصعيد لن يتوقف إلا عند حدودها. لذا، تعاملت إيران مع هذا التحول الكبير بحذر وانضباط شديدين، مبتعدة عن حسابات الربح والخسارة المباشرة، خصوصًا مع تعطل مفهوم “وحدة الساحات” و”دمج الجبهات”.

 

 

كان الهدف الأسمى لإيران خلال هذه الحرب هو تجاوزها بأقل قدر ممكن من الخسائر، ومحاولة فرض معادلة استراتيجية جديدة مع إسرائيل تمنع الأخيرة من المضي قدمًا في خياراتها العسكرية المتطرفة. لذلك، التزمت طهران بتصعيد عسكري مدروس مع إسرائيل، مع الحفاظ على انضباط سياسي ملحوظ تجاه إدارة ترامب، بالتزامن مع جهود مكثفة لإعادة ترميم مؤسستها العسكرية التي أصابها التصدع.

 

 

غياب أي مظلة دولية لدعم إيران في هذه الحرب وضعها في موقف مكشوف سياسيًا وعسكريًا أمام الولايات المتحدة. ربما كان هذا ما دفعها للبحث عن حل سياسي بأقصى سرعة ممكنة. تجلى ذلك في توجهها إلى جنيف للتواصل مع الأطراف الأوروبية، وتبادل الاتصالات مع دول الإقليم، وإصدار تصريحات غير تصعيدية تجاه الولايات المتحدة.

 

 

بغض النظر عن الأضرار التي لحقت ببرنامجها النووي، والخسائر الفادحة في صفوف القيادات العسكرية، والاستنزاف الذي تعرضت له قوتها الصاروخية، يبقى الأهم بالنسبة لإيران هو قدرتها على الصمود والوقوف على قدميها. وبصرف النظر عما إذا كان النظام قد خرج قويًا أم ضعيفًا من هذه الحرب، فقد نجح نسبيًا في إعادة ترميم شرعيته السياسية، التي كانت قد تآكلت داخليًا بسبب استمرار الحروب والعقوبات.

 

 

في تقديري، يمثل أهم مكسب سياسي حققته إيران في هذه الحرب إعادة تعريف ذاتها. لقد ذكّرت الإيرانيين بالأهمية القومية والدينية لبلادهم معًا، وخلقت نوعًا من التماسك الداخلي بين مكوناتها، ومنحت دفعة قوية للهوية الوطنية. حتى القوى المعارضة أبدت موقفًا مهمًا، وهذا بحد ذاته يمثل الانتصار الأكبر الذي كان المرشد الأعلى يسعى إليه.

 

 

وفي سياق الحديث عن المرشد الأعلى، بدا واضحًا أنه مع دخوله العقد التاسع من عمره، لن يغامر بمستقبل الجمهورية الإسلامية. لقد بدأ يفكر جليًا في كيفية إبعاد إيران عن أي خيارات صعبة وسيناريوهات مستحيلة. وإذا كان قد خسر فرصة امتلاك السلاح النووي، فعليه التمسك بفرصة بقاء الجمهورية الإسلامية كنظام، وإيديولوجية، ومشروع.

 

 

أظهرت إيران قدرة استثنائية على الجمع بين المواجهة والتفاوض في آن واحد، وهي جدلية قد لا تستطيع أي دولة أخرى في العالم القيام بها. كما أبدت استقلالية واضحة في عمل مؤسساتها السياسية والعسكرية. ففي حين يضع الحرس الثوري خيارات تدميرية، كالتهديد بإغلاق مضيق هرمز وتهديد الوجود الأمريكي، تتفاوض الخارجية الإيرانية في الوقت ذاته على وقف إطلاق النار. هذا التناقض أربك جميع دوائر صنع القرار في المنطقة والعالم، باستثناء الأطراف التي كانت تنسق معها المواقف السرية.

 

 

تدرك إيران أن ما تطمح إليه إسرائيل والولايات المتحدة من خلال هذه الحرب هو إعادة تشكيل شرق أوسط جديد يستبعدها، أو حتى يزيحها عن المشهد تمامًا، وأن هناك قوى إقليمية تترقب الفرصة لملء أي فراغ قد ينجم عن ذلك. لذا، كان لابد من قطع الطريق أمام هذا السيناريو، حتى لو تم تصوير الأمر على أنه قبول مرير لوقف إطلاق النار. فإذا ما فرض عليها التخلي عن مشروع النفوذ، فلا يجب عليها التخلي عن مشروع الوجود.

 

مخطط إسرائيل للشرق الأوسط
مخطط إسرائيل للشرق الأوسط

لم يكن تسويق إيران لما حدث على أنه “انتصار” مفاجئًا، ففكرة الانتصار بالنسبة لها ليست بالضرورة عسكرية، بل هي سياسية وهذا هو الأهم. طالما أن النظام لا يزال قائمًا، والخيارات لا تزال متاحة، والمرشد الأعلى لا يزال على رأس الجمهورية الإسلامية، فهذا هو الأهم بالنسبة لها، والباقي تفاصيل.

 

 

ختامًا، يمكن القول إن وقف إطلاق النار دون ضمانات قد يؤدي إلى تصاعد الأمور من جديد. قد يسعى الطرفان إلى تعديل شروط التفاوض وتقوية موقفهما السياسي من خلال توجيه ضربات مؤثرة، ولكن قد لا يؤثر ذلك بشكل كامل على مسار الحل السياسي الذي يريده ترامب.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى