
متابعات _ اوراد نيوز
مع اقتراب موعد الإفطار السنوي للتيار الإسلامي في السودان، المزمع عقده بعد غد في الساحة الشعبية ببورتسودان، تتجه الأنظار إلى هذا الحدث بوصفه محطة سياسية تحمل في طياتها رسائل داخلية وخارجية تتجاوز الإطار الاجتماعي للمناسبة. فمنذ سقوط نظام البشير عام 2019، تشكل التيار الإسلامي كتكتل سياسي يضم عدة أحزاب وجماعات إسلامية، من بينها الحركة الإسلامية السودانية، ليصبح أحد الفاعلين المؤثرين في المشهد السياسي، مستفيدًا من موقفه الداعم للجيش في معركة الكرامة ضد مليشيا الدعم السريع.
رغم حضورهم البارز في المشهد السياسي، يؤكد الإسلاميون في السودان – كما عبر قادتهم في عدة مناسبات – أنهم لا يسعون إلى المشاركة في السلطة إلا عبر انتخابات شرعية، وهو موقف يهدف إلى نفي الاتهامات بالسعي للعودة إلى الحكم عبر ترتيبات غير ديمقراطية. كما أن رؤيتهم للعملية السياسية تقوم على تأجيل الحوار السوداني – سوداني إلى حين انتهاء الحرب، حيث يرون أن الأولوية في هذه المرحلة يجب أن تكون لحسم الحرب عسكريًا واستعادة استقرار الدولة قبل الشروع في أي ترتيبات سياسية جديدة.
في ظل هذه الرؤية، يواجه التيار الإسلامي تحديات مزدوجة، فمن جهة هناك دعوات لإقصائه من العملية السياسية بدعوى مسؤوليته عن أزمات المرحلة السابقة، ومن جهة أخرى هناك إدراك واسع بأنه يمثل ثقلاً سياسيًا وتنظيميًا يصعب تجاوزه في أي ترتيبات مستقبلية. وبين هذين الاتجاهين، يحاول الإسلاميين إعادة التموضع عبر خطاب يؤكد التزامهم بالشرعية الديمقراطية، في محاولة لاستباق أي مساعٍ لإقصائهم بذرائع سياسية.
رغم الدور الذي لعبه الإسلاميون في دعم القوات المسلحة، إلا أن هناك تيارات داخلية تطالبهم بمراجعة تجربتهم السابقة في الحكم قبل الإنخراط في أي عملية سياسية جديدة هذه الدعوة واجهها الإسلاميون بالتهكم والسخرية بإعتبار أن ذلك شأن داخلي يخصهم وحدهم وهو ما تقرره المؤسسة الحزبية. بالمقابل، يرى التيار الإسلامي أن إقصاءه سيكون بمثابة مصادرة لمستقبل الديمقراطية، خاصة أنه لم يكن الفاعل الوحيد في الفترة الانتقالية التي شهدت أزمات متراكمة قادت إلى الحرب الحالية.
إقليميًا لم يعد التيار الإسلامي في السودان يعمل بمعزل عن المتغيرات المحيطة. ففي سوريا عاد التيار الإسلامي بقوة إلى الساحة السياسية مع صعود هيئة تحرير الشام إلى السلطة بتوافق اقليمي ودولي، وهو ما يشير إلى أن الإسلاميين لا يزالون قادرين على التكيف مع الظروف المتغيرة. أما التجربة التركية فقد أظهرت كيف يمكن لتيار إسلامي أن يحافظ على حضوره عبر نهج براغماتي يتكيف مع المعادلات الدولية، وهو ما قد يكون نموذجًا ملهمًا للإسلاميين السودانيين في محاولتهم إعادة الاندماج في المشهد السياسي دون الدخول في صدام مع الفاعلين الإقليميين والدوليين.
في هذا السياق، التوقعات تشير إلى أن الإفطار سيشكل فرصة لإيصال عدة رسائل سياسية، داخلية وخارجية من أبرزها، التأكيد على الالتزام بالشرعية الديمقراطية عبر التمسك بعدم المشاركة في السلطة إلا من خلال انتخابات حرة، وهي رسالة موجهة للداخل والخارج على حد سواء. كذلك إعادة التأكيد على تأجيل الحوار السياسي، بما يعكس موقف التيار من أن الأولوية الآن هي لحسم الحرب واستعادة الدولة، وليس للدخول في تفاهمات سياسية. كذلك أن يمضي إلى إثبات الوجود كقوة سياسية فاعلة ومؤثرة عبر الحشد الجماهيري الكبير في أول حشد جماهيري سياسي عقب اندلاع الحرب، لإرسال رسالة بأن التيار الإسلامي لا يزال رقماً صعباً في المشهد السوداني. أيضا بأن يطرح مبادرة وطنية أو مشروع يجمع كل أهل السودان دون إقصاء لأحد.
هذه الرسائل تقودنا إلى عدة سيناريوهات محتملة، منها تعزيز الحضور السياسي للإسلاميين، إذا تمكنوا من إيصال رسائل واضحة حول رؤيتهم للمستقبل، فقد ينجحون في فرض أنفسهم كفاعل أساسي في أي ترتيبات قادمة. كذلك اختبار مدى قبول خطابهم من القوى الأخرى، حيث ستحدد ردود الفعل المحلية والإقليمية مدى نجاح التيار الإسلامي في تقديم نفسه كطرف فاعل يمكن التعامل معه. بجانب إعادة ترتيب التحالفات السياسية المستقبلية سواء من خلال تفاهمات ضمنية مع القوى الأخرى، أو عبر تعزيز الروابط مع الفاعلين الإقليميين الذين يراقبون الوضع في السودان. السيناريو المهم التأكيد علي وحدة صفهم بالنظر إلى الخلافات السياسية التي تكشفت داخل حزب المؤتمر الوطني مؤخرا.
من الواضح أن هذا الإفطار السنوي للتيار الإسلامي يمثل محطة سياسية مهمة، خاصة في ظل مواقفهم المعلنة بشأن دعم قيادة البلاد في خارطة الطريق المتعلقة بحكومة الكفاءات المستقلة. عليه بحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن هذا الإفطار يمثل لحظة اختبار حقيقية للتيار الإسلامي، إذ سيكشف مدى قدرته على التكيف مع متغيرات المرحلة، وتحديد ما إذا كان سيستمر كتيار تقليدي معتمد على تاريخه، أم سيتبنى نهجًا جديدًا يعكس طبيعة التحولات التي يشهدها السودان والمنطقة، دعونا ننتظر.
دمتم بخير وعافية.
السبت 15 مارس 2025 م. Shglawi55@gmail.com