متابعات _ اوراد نيوز
في حي بانت شرق أم درمان، ولد هاشم صديق عام 1957. وعاصر، وهو في مقتبل العمر، ثورة 1964 التي تركت بصمة عميقة في وجدانه، فحولها إلى عمل فني خالٍد بأوبريته “ملحمة قصة ثورة”.
تميز شعر صديق بسلاسته وبساطته العميقة، حيث عبر عن آمال وتطلعات الشعب السوداني في الحرية والعدالة، وقد لاقى صدى واسعًا لدى الجمهور، وتغنى بأشعاره العديد من كبار الفنانين السودانيين.
بدأ هاشم صديق مسيرته التعليمية في مسقط رأسه، ثم انتقل إلى مدارس الأحفاد المرموقة، وحاز في نهاية المطاف على درجة البكالوريوس بامتياز في النقد المسرحي من المعهد العالي للموسيقى والمسرح عام 1974.
انتقل هاشم صديق فيما بعد إلى المملكة المتحدة، حيث التحق بمدرسة “إيست 15” العريقة لدراسة التمثيل والإخراج، وتلقى تدريبات مكثفة على أيدي أساتذة مرموقين أمثال إسماعيل خورشيد والسر أحمد قدور والفاضل سعيد.
بدأ هاشم صديق رحلته مع الفن والأدب في سن مبكرة، حيث أظهر ميلاً فطرياً نحو التمثيل والإلقاء الشعري. وقد كان انخراطه في برنامج “ركن الأطفال” بالإذاعة السودانية، حيث تجسد شخصية الأب، بمثابة الانطلاقة الحقيقية لموهبته الفنية المتأصلة. بعد ذلك، واصل صديق صقل موهبته من خلال الدراسة الأكاديمية، حيث التحق بمعهد الموسيقى والمسرح، وتخرج بامتياز في النقد المسرحي.
لم يقتصر دور هاشم صديق على الإبداع الفني فحسب، بل امتد ليشمل الجانب الأكاديمي والمعلمي. فقد عمل أستاذاً مشاركاً في المعهد العالي للموسيقى والمسرح، حيث ساهم في بناء أجيال جديدة من الفنانين، ونقل إليهم خبراته ومعارفه. كما أسس مكتبة المسرح السوداني، والتي أصبحت مرجعاً قيماً للباحثين والمهتمين بتاريخ المسرح السوداني.
ترك هاشم صديق بصمة واضحة في المشهد الثقافي السوداني، وذلك بفضل أوبريته الخالد “ملحمة.. قصة ثورة”. هذا العمل الفني الفريد، الذي لحنه الموسيقار محمد الأمين، استطاع أن يجمع بين الشعر والموسيقى، ليخلق تجربة فنية فريدة من نوعها، أثرت في وجدان الجماهير السودانية. وقد شكل هذا الأوبريت نقطة تحول في تاريخ الموسيقى الكورالية في السودان، حيث قدم نموذجاً متميزاً للاندماج بين التراث الشعبي والموسيقى الحديثة.
لم يقتصر إبداع هاشم صديق على الشعر والمسرح، بل امتد إلى الدراما التلفزيونية والإذاعية. فقدم عدداً من الأعمال الدرامية التي حظيت بشعبية واسعة، مثل مسرحيتي “أحلام زمان” و”نبتة حبيبتي”، ومسلسلات إذاعية وتلفزيونية تناولت هموم المجتمع السوداني وقضاياه الملحة، معبراً بصراحة عن آرائه ومؤمنًا بدور الفن في تغيير الواقع.
يشهد إرث هاشم صديق الأدبي على قدرة الكاتب السوداني على تناول القضايا الاجتماعية بعمق وحساسية. وقد حصدت أعماله، التي شملت المسرح والتلفزيون والإذاعة، العديد من الجوائز والتقديرات، من بينها جائزة الدولة لأفضل نص مسرحي عن مسرحيتي “أحلام زمان” و”نبتة حبيبتي”.
وقد شكلت هذه الأعمال مرجعاً مهماً لدراسة الدراما السودانية، لما تضمنته من رؤية إبداعية عميقة أثرت في أجيال من الكتاب والمبدعين.
يشكل الإنتاج الشعري لهاشم صديق جزءاً هاماً من إرثه الأدبي. وقد بدأ مسيرته الشعرية بإصدار ديوانه الأول “كلام للحلوة” عام 1975، واستمر في الإبداع الشعري حتى أصدر ديوانه الأخير “على باب الخروج” عام 2006. تناول صديق في شعره قضايا اجتماعية وسياسية، واستخدم لغة شعرية سلسة ومؤثرة، مما جعله أحد أبرز الشعراء السودانيين في جيله.
تدهورت صحة هاشم صديق تزامناً مع تفاقم الأوضاع الأمنية في السودان، حيث اندلع القتال بين القوات المسلحة ومليشيات الدعم السريع في أبريل 2023. وفي ظل هذه الظروف الصعبة، اضطر أهله إلى نقله على عربة تجرها الدواب إلى منطقة أخرى لتلقي العلاج، قبل أن ينقل إلى الإمارات حيث توفي يوم 9 نوفمبر 2024 عن عمر ناهز 67 عاما . وقد نعى الأوساط الثقافية والسياسية السودانية هذا الرمز الأدبي الكبير، الذي وصفه مجلس السيادة السوداني بأنه “شاعر فذ ومبدع متعدد المواهب.