متابعات _ اوراد نيوز
العضلات الإماراتية وتكتيك الإبرة المصرية
اللواء (م) مازن محمد اسماعيل
🔔عام ١٩٩١م أعلن إقليم صومالي لاند المطل على خليج عدن انفصاله عن الصومال ، وذلك عقب سقوط نظام سياد بري ، وهو ما رفضته الصومال ، ولم تعترف بصومالي لاند أي دولة في العالم حتى الآن ، وفي العام ١٩٩٨م أعلن إقليم بونت لاند المجاور لإقليم صومالي لاند من الجانب الشرقي كذلك حكماً ذاتياً مستقلاً ، غير أن إقليم بونت لاند أعلن أنه لايريد الانفصال عن الصومال وأنه سيعود إليها بعد أن يحل السلام.
🔔عام ٢٠١٦م وقعت الإمارات وإثيوبيا مع سلطات إقليم صومالي لاند اتفاقاً ثلاثياً يقضي بمنح شركة موانئ دبي ٥١% وإثيوبيا ١٩% وسلطات صومالي لاند ٣٠% من عائدات تطوير وتشغيل ميناء بربرة لمدة ثلاثين عاماً ، وإنشاء منطقة حرة ، وتمويل إنشاء طريق دولي سريع يربط المدينة بإثيوبيا عَبْر مدينة واجالي غرباً ، وفي العام ٢٠١٧م قامت الإمارات بإنشاء قاعدة عسكرية جوية بمطار مدينة بربرة وتدريب قوات أمن من صومالي لاند ، وفي الأول من مارس ٢٠١٨م أعلنت حكومة الصومال إلغائها لهذه الاتفاقات الغير شرعية وذلك بعد زيارة رسمية قام بها الرئيس الصومالي حسن علي خيري لأبوظبي ، وجاء ذلك عقب قيام جيبوتي بطرد الإمارات من ميناء دوراليه ، ولكن رغم ذلك فلاتزال الإمارات تدير الميناء ولها وجود عسكري في بربرة.
🔔في عام ٢٠١٧ وقعت الامارات مع سلطات بونت لاند اتفاقاً يقضي بأن تقوم شركة P&O Ports الإماراتية بتطوير وتشغيل ميناء بوصاصو لمدة ٣٠ عام ، وفي ١٤ نوفمبر ٢٠٢٢م وصلت قوات إماراتية لمدينة بوصاصو في إقليم بونتلاند الصومالي وأنشأت قاعدة عسكرية هناك ، بالإضافة إلى قاعدة عسكرية أخرى للامارات في مدينة علولا.
🔔منذ العام ١٩٩٣ وباستقلال اريتريا أصبحت اثيوبيا هي اكبر دولة حبيسة في العالم الذي يضم ٤٤ دولة حبيسة ، وهذا الأمر حدَّ كثيراً من طموحات اثيوبيا الاقتصادية والجيوسياسية ، ومع تزايد التحديات والمهددات الداخلية والخارجية لإثيوبيا، ورغبتها في لعب دور شرطي المنطقة لصالح الكيان الصهيونى والإمارات والغرب .. تزايدت حوجتها لإطلالة بحرية بأي ثمن.
🔔في اول يناير ٢٠٢٤ وقعت ارض الصومال واثيوبيا اتفاقا يمنح اثيوبيا امتداداً ساحلياً مجاوراً لميناء بربرة بطول ٢٠ كلم ولمدة ٥٠ عام بغرص إنشاء ميناء تجاري اثيوبي وقاعدة عسكرية بحرية اثيوبية مقابل أن تعترف اثيوبيا يوماً ما باستقلال ارض الصومال التي لا تعترف بها اي دولة في العالم ، وكذلك منح ارض الصومال أسهماً في شركة الخطوط الجوية الأثيوبية ، وقد أعلنت الإمارات مباركتها ودعمها لهذا الاتفاق ، بينما رفضت الصومال هذا الاتفاق ونددت به.
🔔تركيا لديها اتفاقية استراتيجية مع الصومال وأنشأت بموجبها قاعدة عسكرية هناك ، ولكن على اثر غموض الموقف التركي من التدخل الاثيوبي في الصومال التي يربطها تعاون عسكري مع تركيا ، وبسبب العلاقات التركية الأثيوبية الوثيقة .. قام الرئيس الصومالي وحكومته بزيارة للقاهرة ، و في ١٣ اغسطس ٢٠٢٤ وقع مع مصر اتفاقاً للتعاون العسكري المشترك ، وبموجب هذا الاتفاق أنشأت مصر جسراً جوياً مع الصومال ونقلت ما يقدر بعشرة آلاف جندي إلى الصومال بكامل عتادهم الثقيل بغية الانتشار على امتداد الحدود الصومالية مع اثيوبيا.
🔔اثيوبيا لها قوة عسكرية من حوالي ٤٥٠٠ ضمن بعثة الاتحاد الافريقي AMISOM/ATMIS في الصومال ، بالاضافة الى قوة عسكرية أخرى تقدر بحوالي ٧٠٠٠ جندي تعمل بشكل مستقل بدعوى مكافحة الارهاب وحفظ الحدود الاثيوبية ، وبعد توقيع اتفاق التعاون العسكري بين الصومال ومصر قامت حكومة الصومال بإخطار الاتحاد الافريقي واثيوبيا بعدم رغبتها في وجود أي جندي اثيوبي على أرضها وأمهلت الاتحاد الافريقي واثيوبيا حتى نهاية العام الجاري لمغادرة آخر جندي اثيوبي ، وقد علق الجيش الإثيوبي بأنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام محاولات حصار اثيوبيا ، وفي أول رد فعل عملي قامت إثيوبيا بالأمس بتعيين سفير لها في صومال لاند وقدم أوراق اعتماده للرئيس موسى عبدي.
🔔لا ضرورة للخوض في تفاصيل التعاون المصري الإماراتي لأنه معلومٌ للجميع ، ولكن كذلك فإن الإمارات من أكبر الداعمين لإثيوببا ، ففي عام ٢٠١٨م قدمت الامارات ٣ مليار دولار دعماً لاثيوبيا ، وفي عام ٢٠١٩ك وقع البلدين اتفاقاً للتعاون العسكري ، واستثمرت الامارات في ٥٦ مشروعاً اثيوبياً في مجالات الصناعة والزراعةوالعقارات والتعدين والصحة والفنادق ، وتعمل في إثيوبيا ١٢٥٠ شركة إماراتية ، وفي ٢٠٢١م قدمت الامارات دعماً عسكرياً لاثيوبيا عبارة عن مركبات مدرعة من طراز Calidus MCAV-2 وشحنات ضخمة من قنابل الطارق المتطورة ، وفي ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٣م نقلت مساعدات عسكرية في ٢٤ رحلة جوية لأنظمة متقدمة في توجيه القنابل ، وتكررت ذات الرحلات في ديسمبر من نفس العام بما مكنت اثيوبيا من تحديث منظومة بانتسير إس 1 الروسية للدفاع الجوي الذي تحمي به سد النهضة ، وخلال العام الجاري نقلت لاثيوبيا عشرات ناقلات الجنود المدرعة ، وتعمل قوات الدولتين في مواجهة حركة الشباب الصومالية.
🔔يقول أهلنا في دارفور تِجِخْجِخ سُنون بجيب دم ، والحرب بين مصر وإثيوبيا هي ما تسعى له الإمارات بشتى السبل ، وبالنظر للمعطيات المتعلقة بالدول الثلاث ذات العلاقة ومن ورائهم الكيان الصهيوني فإن الصراع يدور حول المياه والغذاء والطاقة وأمن البحر الأحمر والأمن الجيوسياسي الاستراتيجي للمنطقة من المنظور الصهيوني .. والمعطيات تشير إلى أن الصراع المسلح المباشر بين مصر وإثيوبيا قد غدا شيكاً ، رغم أن التعريف الصريح لأطراف هذا الصراع بتأمل حيثياته تؤكد بأن العدو الحقيقي لمصر هو الإمارات قبل أن يكون إثيوبيا أو حتى إسرائيل ، فالإمارات هي من تُذكي هذه الحروب بين الأطراف بأموالها تحت ستار الأخوة والاستثمار بغية تعميم الفوضى الخلاقة في المنطقة بأسرها … ولو أن السودان كان لديه تعريف وترتيب وتعامل صحيح مع قائمة أعدائه لما انفصل جنوب السودان ، ولما أنشأ السودان المليشيات ، ولما شارك في عاصفة الحزم ، ولما جعل من أعدائه كُفلاء فمكَّنهم وعملاءهم من مفاصل الدولة … ونقول هذا اليوم إشفاقاً على مصر الكنانة أن لا تقع فيما سقطنا فيه من أخطاء وسوء تقدير ، فالتكامل الاقتصادي والإدارة المشتركة لسد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا ممكن وضروري ولا يعوقه إلا تعنُّت النظام الإثيوبي ، وهو ما يمكن معالجته لأنه تعنُّتٌ بإيعاز من إسرائيل والإمارات وليس موقفاً أصيلاً للشعب الإثيوبي الذي تعتمل فيه الثورات المسلحة والمكبوتة في كافة أقاليمه ومختلف عرقياته ، والنظام الإثيوبي يرى في الحرب مع مصر فرصةً لتصدير أزماته الداخلية لهذه الحرب ، وظنُّنا أن في مصر من الحكمة ما يعفينا عن تفصيل النصائح فيما ينبغي عليها فعله من السهل والممكن والناجع ، وما يحجزها عما أسقطنا أنفسنا فيه مِحن ، ومكائد السفهاء واقعةٌ بهم ، ولن يحيق المكر السيئ إلا بأهله ، والله غالبٌ على أمره.