
الخرطوم – 5 أغسطس 2025
في إنجاز علمي نادر يعيد تسليط الضوء على التنوع البيولوجي في القارة الأفريقية، أعلن فريق بحثي مشترك من علماء سودانيين وألمان عن اكتشاف نوع جديد من التماسيح المنقرضة في شرق السودان، يعود تاريخه إلى نحو 90 ألف عام، خلال أواخر العصر البليستوسيني.
ويُعدّ هذا النوع، الذي أُطلق عليه اسم “كروكودايلوس سوداني” (Crocodylus sudani)، أول تمساح يُصنف رسميًا من هذه الحقبة الجيولوجية في أفريقيا، ما يفتح آفاقًا جديدة لفهم تطور الزواحف وتوزيعها الجغرافي خلال الفترات المناخية القديمة في المنطقة.
وأكد الفريق البحثي أن الاكتشاف تمّ خلال أعمال تنقيب ميدانية في وادي نهر عطبرة، حيث جرى العثور على بقايا هيكل عظمي شبه مكتمل للتمساح، خضع لاحقًا لتحليلات تشريحية وجينية دقيقة أكدت تميّزه عن باقي الأنواع المعروفة.
وقال د. أحمد عبد الله، أحد الباحثين السودانيين المشاركين في المشروع، إن هذا الاكتشاف “يوفر أدلة قوية على وجود تنوع حيوي غني في منطقة شرق السودان خلال العصور الجليدية، عندما كانت الأنهار والبحيرات تغطي مساحات أوسع من الصحراء الحالية”.
وأضاف أن “كروكودايلوس سوداني” يتميّز بخصائص تشريحية فريدة، من بينها شكل الجمجمة وحجم الفك، ما يشير إلى تكيفه مع بيئة مائية كانت سائدة في تلك الفترة.
ومن المتوقع أن يُسهم هذا الكشف في تطوير أبحاث علم الحفريات والبيئة القديمة في السودان، كما يُرتقب أن يُعرض الهيكل العظمي للتمساح في أحد المتاحف الوطنية بعد استكمال إجراءات التوثيق والتصنيف الدولي.

النوع الجديد، الذي أُطلق عليه اسم “كروكودايلوس سوداني” (Crocodylus sudani)، يُعد الأول من نوعه الذي يُصنف رسميًا في أفريقيا من تلك الحقبة الجيولوجية. ويعتقد العلماء أن هذا التمساح عاش في بيئة مائية كانت أكثر اتساعًا مما هي عليه اليوم، في فترة تميزت بوجود أنهار وبحيرات غنية بالكائنات الحية.
وأكد الباحثون أن الخصائص التشريحية الفريدة لهذا التمساح، خصوصًا شكل الجمجمة وبنية الفك والأسنان، تميّزه عن أي نوع معروف حاليًا، وهو ما يدفع للاعتقاد بأنه ينتمي إلى سلالة تطورية مستقلة ربما ظلت مغمورة علميًا لفترات طويلة.
وقال د. أحمد عبد الله، عضو الفريق السوداني المشارك في الدراسة، إن هذا الاكتشاف يُعد علامة فارقة في دراسة تاريخ الزواحف في أفريقيا، مشيرًا إلى أن الهيكل العظمي الذي عُثر عليه كان في حالة حفظ جيدة مكّنت العلماء من إجراء تحليلات دقيقة.
وأضاف: “نحن لا نتحدث فقط عن تمساح منقرض، بل عن سلالة كانت مجهولة بالكامل، قد تغيّر فهمنا لتاريخ توزيع التماسيح وتكيفها البيئي في وادي النيل وشرق أفريقيا”.
ومن المرتقب أن يتم عرض الهيكل العظمي في متحف السودان للتاريخ الطبيعي بعد الانتهاء من عمليات التصنيف والنشر العلمي، وسط اهتمام متزايد من الأوساط الأكاديمية بهذا الكشف الذي يُعد الأول من نوعه في السودان منذ عقود.

سلالة مميزة تكشفها الجمجمة
وبحسب تصريح للجزيرة نت، أوضح الدكتور خلف الله صالح، الباحث الجيولوجي في متحف التاريخ الطبيعي ببرلين وجامعة النيلين، وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، أن الاكتشاف استند إلى تحليل دقيق لجمجمة تمساح متحجرة، جرى فحصها باستخدام تقنيات التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد، ودراسة السمات التشريحية الدقيقة لها.
وقال صالح: “لاحظنا خصائص فريدة لم تُسجّل من قبل في أي من التماسيح الأفريقية المعروفة، مثل بروز علوي في الفك، وغياب لعظم السقف الخلفي والسفلي للجمجمة، وفتحات أنف أمامية متجهة لأعلى، إلى جانب نتوءات عظمية مميزة في مقدمة الجمجمة”.
إشارة إلى عزلة تطورية
ويرى الفريق أن هذه السمات تُشير إلى وجود سلالة إقليمية مميزة من التماسيح، ربما تطورت في عزلة نسبية عن الأنواع المعروفة، مثل تمساح النيل أو تمساح غرب أفريقيا. ورغم أن الاكتشاف يستند إلى عينة واحدة من موقع واحد، فإن الباحثين يرجّحون أن تكون هناك سلالات محلية منقرضة لم تُرصَد سابقًا بسبب التشابه الظاهري.
يقول الدكتور صالح: “نحن لا نعمم وجود هذا النوع على كامل القارة، ولكن نعتقد أنه قد يمثل سلالة محلية ظلت في عزلة تطورية لفترة طويلة، ما يوسع فهمنا للتنوع البيولوجي في أفريقيا ما قبل التاريخ”.

لاحظ العلماء خصائص فريدة لم تسجل في أي من أنواع التماسيح الأفريقية المعروفة (الفريق البحثي)
تشريح يكشف سلالة مميزة
وأوضح الدكتور خلف الله صالح، الباحث الجيولوجي في متحف التاريخ الطبيعي ببرلين وجامعة النيلين، وأحد المؤلفين المشاركين في الدراسة، أن الاكتشاف اعتمد على فحص دقيق لجمجمة متحجرة باستخدام تقنيات التصوير المقطعي ثلاثي الأبعاد، إلى جانب تحليل تفصيلي للخصائص المورفولوجية.
وقال صالح في حديثه لـ”الجزيرة نت”:
“لاحظنا خصائص تشريحية غير مسبوقة في أي من أنواع التماسيح الأفريقية المعروفة، منها بروز علوي في الفك، وغياب بعض العظام في سقف الجمجمة، بالإضافة إلى فتحات أنفية متجهة للأعلى وبروزات عظمية أمامية مميزة.”
ويُعتقد أن هذه السمات تدل على سلالة متميزة من التماسيح تطورت في عزلة نسبية، بعيدًا عن الأنواع المعروفة مثل تمساح النيل، مما يعزز فرضية وجود تنوع بيئي دقيق أغفلته الدراسات السابقة بسبب التشابه الظاهري.
ظروف الحرب تعرقل البحث الميداني
ورغم أهمية هذا الاكتشاف، إلا أن الباحثين يواجهون صعوبات ميدانية بسبب الحرب الدائرة في السودان، التي تسببت في تعليق الأنشطة الميدانية لمشروع “باليونايل”، المعني بتوثيق الحياة الفطرية القديمة في البلاد.
ويقول صالح:
“نطمح إلى توسيع نطاق البحث ليشمل مواقع أخرى على امتداد حوض النيل، كما نأمل في مراجعة عينات قديمة محفوظة في المتاحف. لكن غياب الاستقرار الأمني يشكل عائقًا كبيرًا أمام استكمال المشروع.”
ورغم التحديات، يرى الفريق في هذا الاكتشاف بداية لإعادة تقييم تصنيف التماسيح الأفريقية، ويدعو إلى استخدام أدوات تحليل وراثي وتشريحي متقدمة لتوثيق هذا التنوع البيولوجي الغني الذي لم يُكتشف بعد.
فرصة لفهم التاريخ الطبيعي في أفريقيا
ويختم الدكتور خلف الله صالح حديثه بالتأكيد على أن هذا الاكتشاف يسد ثغرة كبيرة في سجل الحفريات بالقارة السمراء، ويمنح العلماء فرصة نادرة لفهم تطور الزواحف الكبرى على مدى عشرات الآلاف من السنين، خصوصًا في شرق أفريقيا.
ويضيف:
“بلادنا تملك سجلًا طبيعيًا مذهلًا، لكنه بحاجة إلى عين علمية هادئة وظروف مستقرة تُمكننا من اكتشافه وحمايته.”