مقالات

(حديث للغد 2)

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

إسحق أحمد فضل الله

(حديث للغد 2)

ونكتب أمس عن المثقفين… كفانا الله شرهم…
ونُفاجأ بأن حسين خوجلي يكتب في اليوم ذاته عن الأمر ذاته… وهذا يعني أن الشعور بهذا الأمر هو ما يطغى الآن.
… والردود تكفينا اليوم.
و… حسن المك.
هل نحن ضد المثقفين؟ لا…
نحن ضد العقرب التي ترتدي ثوب النحلة.
وعبدالله سيد…
رأي العارفين، ممن يشعرون بأن الإنجليز ينظرون إلينا باحتقار، رأي يصنع الحكاية التي تقول: في الوفد السوداني الذي يهبط لندن أيام الحرب العالمية لتهنئة الملك هناك بالنصر، كان أحد أعضاء الوفد يعامل (الحمال) الذي يحمل حقائبهم باحترام شديد.
ولما سألوه قال في سخرية البرامكة:
:: نعمل حسابنا… يمكن يجيبوه لينا حاكم عام!

 

… لكن المثقفين جابوه بالفعل… فالسادة المثقفون يبلغون درجة نقل السلوك الإنجليزي بكل سجمه ورماده إلى البلد…
وإلى درجة أن عبد الله الطيب يرسم صورة لـ(قعدة) المثقفين وهم يكرعون الـ(هيج)، حتى إذا امتلأ واحد منهم وثب على التربيزة وأخذ يُلقي قصيدة وِردز، ورثها عن نساء دوفر اللائي يجلسن على الشاطئ كل ليل ينتظرن رجالاً لن يعودوا أبداً… (ذهبوا للحرب).

 

وأمس نقول إن المثقفين عندنا، الذين وُلِدوا في العيلفون والقطينة وأم دبيكرات والشبشة، وحملوا اللوح والشرافة… هؤلاء المثقفون إذا شربوا من الثقافة الغربية انشبحوا بين سودانويتهم المسلمة… وبين روائح أحجار مكتبات وشوارع لندن…
والمثقفون هؤلاء، وللاستمساك بالسودانوية، تجد عندهم ظاهرة إنشاد أشعار الطيب ود ضحوية:
(وسروجنا الغلبن صائح القماري حسوسن…)

 

وتجد عندهم ظاهرة النزول في نوبة حمد النيل ومدائح ود حاج الماحي…
ثم هم مخلصون جداً في عشق اللقمة، وملاح التقلية، والشطة، والبصل الذي يجعل (النخرة) تسيل…
سودانية لها شواهد…
لكن السودانوية هذه تذكّرك بمشهد في فيلم روسي بعد سقوط الاتحاد السوفيتي…
وفي الفيلم، مسؤول شيوعي… أيام البريسترويكا… يشاهد فيلماً يسخر من الجنون الشيوعي…
والمسؤول (المتحرر) يضحك ويُظهر التحرر…
حتى إذا خرج من القاعة التفت قائلاً للمسؤول الثقافي، غاضباً:
:: مش عايز أشوف وسخ زي ده تاني!
وتعامل مثقفينا مع السودانوية شيء يقدم المشهد ذاته… ثم يقول الجملة ذاتها…
… والجماعة معذورون…

 

وحكاية عن طبيب في لندن تقول:
طبيب ظل يصف لمرضاه دواء معيناً لسنوات طويلة، والطبيب هذا يُصاب بالمرض ذاته…
ويجد أن الدواء الذي ظل يعالج به مرضاه دواء فاشل…
وطبيب حديث يكشف له ذلك…
عندها، الطبيب المريض – الذي يعرف أن علاجه كان فاشلاً – يقول للطبيب الحديث: :: لقد ظللت أعالج الناس لأربعين سنة بهذا الدواء… والآن تريد مني أن أعترف بأنه دواء فاشل؟ مما يعني أنني أضعت عمري في وهم؟ لا… لا… أفضل أن أموت على أن أفعل هذا!

 

ومثقفونا الذين كرعوا الحياة الغربية… ثم اكتشفوا أنهم أضاعوا عمرهم… المثقفون هؤلاء يفضلون الموت على مواجهة هذه الحقيقة…
ومثقفونا قرأوا… تينيسون… ووالت ويتمان… وسارتر… وفرجينيا وولف… وديوي… وبيكوس… ولام… وجونسون… وهازليت… وإيمرسون… وأرفنج… وملفيل… وشو… وشكسبير… وكونراد… وهيكسلي… و…
آلاف آخرين…
قرأهم مثقفونا… وأصحاب الكتابات هذه هضموا مثقفينا… ثم (أفرزوهم) في الخلاء…
ومثقفونا هؤلاء لم يقرأوا للشاطبي… ولا ابن تيمية… ولا ابن خلدون… ولا ابن سينا… ولا الفارابي… ولا القرطبي… ولا ابن سناء الملك… ولا الآلاف من الأماجد الذين ظلوا شامخين حتى اليوم…
… معركة وحكاية ضياع مثقفينا حكاية أهم ما فيها هو أنها غيّبت عنهم تماماً أن هناك إلهاً معبوداً… وهناك مصيراً… وهناك آخرة… وهناك حفرة ثم بعث…

 

وفي جملة واحدة… هناك (دين إلهي جاء به محمد) صلى الله عليه وسلم…
في التسعينيات شرعنا في كتابة حكايات شيوعيين…
ومنهم القيادي الشيوعي الذي يجده أهل الدامر في محراب المسجد ساجداً يبكي…
ثم هو بعدها يبدأ التعلم… يبدأ التعلم، نعم…
والرجل يبدأ بأن يسلم إصبعه لتلاميذ الخلوة… ليمسك التلاميذ هؤلاء بإصبعه ويعلمونه كيف يكتب على الأرض… ألف… باء… تاء… ثاء…

 

ولن تجد رجعة مثل هذه…
… الخلاصة هي أننا نعيش الآن مرحلة لتجديد حياتنا…
تجديد لا يحتمل تكرار الخراب الطويل…
الخراب الذي صنعه مثقفون يجهلون ثلاثة أشياء:
يجهلون السودان…
والإسلام…
وأنفسهم…
حتى أنفسهم لا يعرفونها…
والناس لن تسلّم السودان لهؤلاء.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى