متابعات _ اوراد نيوز
بسبب النقص الحاد في السيولة النقدية، عادت بعض المناطق في غرب وجنوب السودان إلى نظام التبادل السلعي، حيث أصبحت السلع تبادَل دون استخدام النقود، مما أدى إلى تشوهات كبيرة في الأسعار، وخاصة في المعاملات التي تتم عبر التطبيقات المصرفية، وانتشار ظاهرة التعامل الربوي في عمليات تبادل العملات، مما زاد من معاناة المواطنين.
ونظرًا لنقص السيولة النقدية الحاد في إقليمي دارفور وكردفان، اضطر السكان إلى العودة إلى نظام المقايضة، حيث يتم تبادل السلع بسلع أخرى دون استخدام النقود، وهو نظام كان سائداً قبل اختراع النقود، مما يعكس مدى حدة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الإقليم.
وأسفر اندلاع الحرب قبل 19 شهراً عن إغلاق اثني عشر فرعاً من أصل ثمانية عشر فرعاً لبنك السودان المركزي في مختلف ولايات البلاد، مما أدى إلى فقدان البنك السيطرة على الكتلة النقدية وتعذر عليه استبدال العملات التالفة أو سحبها أو ضخ عملات جديدة، وذلك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وإغلاق الطرق.
وتشير بيانات بنك السودان المركزي إلى أن النظام المصرفي في البلاد يتكون من 38 مصرفاً، منها 16 مصرفاً سودانياً و22 مصرفاً مختلطاً، تمتلك هذه المصارف مجتمعة 833 فرعاً و77 نافذة و73 مكتباً للتوكيل. وتتركز أغلبية هذه الفروع في ولاية الخرطوم، حيث توجد 435 فرعاً أي ما يعادل 49% من إجمالي الفروع في البلاد.
وكشف تقرير لبنك السودان المركزي عن توقف كبير في عمل الفروع المصرفية بال مناطق النزاع، حيث توقفت نسبة كبيرة منها عن العمل. وبعد مرور عام ونصف، استطاعت حوالي 427 فرعاً مصرفياً في المناطق الآمنة استئناف أعمالها، مما يمثل نصف إجمالي الفروع المصرفية في البلاد.
وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من 80% من الكتلة النقدية في السودان، والتي تقدر بنحو 900 تريليون جنيه، كانت تتداول خارج النظام المصرفي الرسمي قبل اندلاع الحرب. وبالتالي، فإن الجزء المتبقي من الكتلة النقدية لم يكن يخضع لرقابة كاملة من قبل بنك السودان المركزي.
وكانت معظم المؤسسات المصرفية تعاني من عجز في توفير الحد الأدنى من رأس المال المطلوب، مما دفع بنك السودان المركزي إلى الدعوة لدمج المصارف وتشجيع التحول الرقمي في المعاملات المصرفية، كما طالب الجهات الحكومية بالانتقال إلى نظام الدفع الإلكتروني.
أزمة سيولة
تعاني المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في ولايات دارفور وكردفان والجزيرة وسنار من أزمة سيولة نقدية حادة، حيث ارتفعت تكاليف تحويل الأموال من خلال التطبيقات المصرفية إلى النقد، لتتراوح بين 10% و30%، كما زادت أسعار السلع، خاصة الغذائية، عند شرائها عبر التطبيقات مقارنة بأسعارها عند الدفع نقدًا بنسبة تصل إلى 20%.
أدى النقص الحاد في السيولة النقدية وتقلص الكتلة النقدية المتداولة في أسواق ولايات دارفور وكردفان إلى لجوء العديد من السكان إلى نظام المقايضة، حيث قاموا بتبادل المنتجات والسلع الزراعية بسلع أخرى، لا سيما السلع المصنعة والمستوردة مثل الزيوت والسكر والشاي.
في مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، والتي كانت المركز التجاري الثاني بعد الخرطوم، يشكو التاجر عثمان زروق في حديثه لشبكة الجزيرة من أن الأسواق تشهد وفرة في المحاصيل الزراعية الجديدة، إلا أن المواطنين عاجزون عن شرائها بسبب نقص السيولة النقدية ورفض التجار التعامل عبر التطبيقات الإلكترونية نتيجة ضعف شبكات الإنترنت.
يشير زروق إلى أن مراكز تحويل الأموال من الحسابات البنكية إلى النقد محدودة، مما أدى إلى ارتفاع كبير في رسوم التحويل التي تتجاوز 20%، كما أن أسعار السلع عند الشراء عبر التطبيقات المصرفية أعلى بنسبة تتراوح بين 15% و25% مقارنة بالدفع النقدي.
طباعة العملة
كشف مسؤول بالبنك المركزي عن قيام قوات الدعم السريع بسرقة جميع المصارف في ولاية الخرطوم وولايات أخرى، ونهب كميات كبيرة من العملات المحلية والأجنبية، بالإضافة إلى سرقة مبالغ ضخمة من مطابع العملة، والتي قدرت قيمتها بحوالي 350 مليون دولار.
وفي حديثه لشبكة الجزيرة، أشار المسؤول إلى أن الحكومة اتخذت قرارًا بضرب العملة في الخارج، وذلك لمواجهة النقص الحاد في السيولة النقدية الذي تعاني منه المصارف في الولايات التي استعادت استقرارها الأمني، وذلك بهدف توفير الخدمات المصرفية الأساسية للمواطنين في هذه المناطق.
ألقى المسؤول باللائمة على الظروف الأمنية المتردية في عرقلة وصول السيولة إلى الولايات المتأثرة بالحرب، مستبعداً في الوقت ذاته فكرة تغيير العملة الوطنية كحل جذري نظرًا للتكاليف المرتفعة التي تتطلبها هذه العملية والتي تصل إلى حوالي 400 مليون دولار.
ويرى الخبير المصرفي وليد دليل أن إغلاق عدد كبير من المصارف وتوقف خدمات الدفع الإلكتروني وتأخر صرف رواتب الموظفين قد أدى إلى أزمة حادة في السيولة النقدية، مما يزيد من معاناة المواطنين في ظل استمرار الاشتباكات.
في حوار مع شبكة الجزيرة، دعا المصرفي إلى التقليل من الاعتماد على النقد، والتحول نحو المعاملات الإلكترونية، وتعزيز ثقة المواطنين في القطاع المصرفي من خلال تحسين الخدمات المقدمة وتنويع المنتجات المصرفية، وإعادة بناء الثقة في العملة الوطنية.
أوضح بنك السودان المركزي في بيانه الأسبوع الماضي أن الهدف من إصدار الفئة النقدية الجديدة هو حماية قيمة العملة الوطنية وتحقيق الاستقرار في سعر الصرف، بالإضافة إلى مواجهة التبعات السلبية للنزاع الدائر، ولا سيما عمليات النهب التي تعرضت لها مقرات البنك المركزي وشركة مطابع العملة في الخرطوم على يد المليشيات المتمردة.
الحل في التعامل الرقمي
يقترح المتحدث ضرورة تشجيع المصارف على الانتقال إلى الخدمات المصرفية الإلكترونية من خلال فتح فروع إلكترونية، واقتراح إلغاء فئة الألف جنيه من التداول نظرًا لاستخدامها في عمليات الاكتناز، مع التخطيط لإلغاء الفئات الكبيرة من العملة تدريجيًا واستبدالها بفئات أصغر.
ويدعو الخبير المصرفي إلى تعزيز الشمول المالي من خلال توسيع نطاق الخدمات المصرفية لتشمل المناطق النائية والمحرومة، وإلزام جميع الجهات الحكومية والخاصة التي تقدم خدمات للمواطنين بالتحول إلى نظام الدفع الإلكتروني من خلال البطاقات المصرفية، وذلك من خلال إصدار تشريعات ملزمة، وتقديم حوافز مالية للمواطنين الذين يستخدمون وسائل الدفع الإلكترونية، مثل خصومات على الخدمات أو المنتجات.
ويشير الخبير الاقتصادي محمد الناير إلى أن الظروف الأمنية المتدهورة في مناطق النزاع، مثل دارفور وكردفان، والتي تتمثل في انتشار العنف وتعطيل حركة النقل، هي السبب الرئيسي في نقص السيولة النقدية في هذه المناطق، مما يؤثر سلبًا على حياة المواطنين اليومية.
وأكد الخبير في حديثه لشبكة الجزيرة نت أن التطبيقات المصرفية ساهمت بشكل كبير في تسهيل تحويل الأموال إلى المناطق المتضررة من النزاعات، سواء داخل البلاد أو خارجها، إلا أن ضعف شبكات الإنترنت يمثل عائقًا أمام الاستخدام الأمثل لهذه التطبيقات، مما يستدعي تطوير البنية التحتية الرقمية وتوسيع نطاق خدمات التطبيقات المصرفية لتقليل الاعتماد على النقد.
المصدر : الجزيرة