عالمية

الضحك والغضب والشتائم.. الميكروفون المفتوح يكشف ما تخفيه السياسة والدبلوماسية

منذ اختراعه قبل أكثر من 150 عاماً، ظل الميكروفون رمزاً لصوت القادة ومنبراً رسمياً للخطاب السياسي. لكنه، في المقابل، كثيراً ما تحوّل إلى “مصيدة” تكشف لحظات غير محسوبة، حين يلتقط ما يقال بعيداً عن النصوص المعدّة مسبقاً.

حادثة البيت الأبيض الأخيرة
يوم الاثنين، خطف الميكروفون الأنظار مجدداً عندما سجّل أكثر من دقيقتين من دردشة جانبية جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترمب وثمانية من القادة الأوروبيين، على هامش مؤتمر صحافي خُصص لجهود إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا. وفي ما بدا حديثاً عفوياً، قال ترمب للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون: «أعتقد أنه يريد أن يعقد صفقة لأجلي… رغم أن هذا يبدو جنونياً»، في إشارة إلى لقائه السابق مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا.

من ريغان إلى بايدن… تاريخ طويل من الإحراجات
لم يكن ترمب أول من اصطدم بلحظة “ميكروفون مفتوح”. ففي عام 1984، أطلق الرئيس الأميركي رونالد ريغان نكتة ثقيلة قال فيها إنه وقع قانوناً “لحظر روسيا إلى الأبد” وإن القصف سيبدأ بعد خمس دقائق، ما أثار غضب موسكو. كما لم يسلم فلاديمير بوتين نفسه من هذه المواقف، حين التقط له الميكروفون عام 2006 تعليقاً فُسِّر على أنه سخرية من رئيس إسرائيلي لاحقته اتهامات جنسية.

أما باراك أوباما، فوثّقت الكاميرات كلماته إلى ديمتري ميدفيديف في قمة سيول عام 2012: «سأكون أكثر مرونة بعد الانتخابات»، ما دفع خصومه إلى اتهامه بـ”دبلوماسية الميكروفون المفتوح”. كما اشتهر جو بايدن عام 2010 بعبارته الشهيرة لباراك أوباما أثناء توقيع قانون الرعاية الصحية: «هذه صفقة كبيرة جداً، بحق الجحيم».

لا استثناء حتى للملوك ورؤساء الوزراء
الظاهرة لم تقتصر على البيت الأبيض. رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة جاسيندا أرديرن وصفت خصماً سياسياً بـ«المتعجرف» عبر ميكروفون مفتوح. الرئيس الفرنسي جاك شيراك انتقد علناً الطعام البريطاني أمام بوتين وشرودر، فيما عبّر الملك تشارلز الثالث بغضب عن ضيقه من قلم تسرب حبره في لحظة نقلتها الشاشات مباشرة للعالم كله.

ترمب وصدى اللحظة الأكثر جدلاً
أشهر التسريبات الصوتية لترامب تعود إلى تسجيل «أكسس هوليوود» عام 2016، حين تفاخر بلمس النساء من دون موافقتهن، ما هدد حملته الرئاسية آنذاك وأجبره على تقديم اعتذار اعتبره معارضوه غير كافٍ. ومنذ ذلك الحين، باتت عبارة “الميكروفون المفتوح” لصيقة باسمه في الإعلام الأميركي.

بين الصدقية والإحراج
يرى خبراء الإعلام أن سرّ اهتمام الجمهور بهذه اللحظات يكمن في “الصدق غير المصقول”. كما يقول بيل ماكغوان، مدير شركة «كلاريتي ميديا غروب»: «الناس يحبون هذه المواقف لأنها تكشف ما يفكر به السياسيون حقاً، بعيداً عن فلاتر فرق الاتصال».

خلاصة
الميكروفون، أداة نقل الصوت التي وُلدت في القرن التاسع عشر، لا يزال في القرن الحادي والعشرين يمارس دوراً آخر: كشف الجانب الإنساني، والعفوي، وأحياناً المربك لزعماء دول وصانعي قرار. وفي عالم محاط بالكاميرات والهواتف الذكية، يبدو أن “الخصوصية” أصبحت ترفاً لم يعد متاحاً حتى في أكثر اللحظات الرسمية صرامة.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى