اخبار

عائلات سودانية تعيد توديع أحبائها بطريقة تليق بهم

الخرطوم – أ.ف.ب

بعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب في السودان، بدأت ملامح الحزن والراحة الممزوجة بالأسى ترتسم على وجوه مئات العائلات التي تمكنت أخيرًا من توديع أحبائها بطريقة تليق بهم، بعد أن اضطروا لدفنهم على عجل في مقابر عشوائية أو حتى في باحات المنازل والمدارس، تحت وطأة القصف والمعارك الضارية.

في حي الأزهري، جنوب العاصمة الخرطوم، يعمل متطوعو الهلال الأحمر السوداني وسط صمت ثقيل وأجواء مهيبة على نبش قبور مؤقتة، حفرتها أيدي أهالي الضحايا في ذروة الحرب. يرتدي المتطوعون بزات بيضاء وقفازات حمراء وأقنعة واقية، ويستخدمون رفوشًا لرفع طبقات التراب عن الرفات، قبل وضعها في أكياس مخصصة تحمل بطاقات تعريف، ونقلها في شاحنات صغيرة إلى مقبرة الأندلس الواقعة على بعد نحو 10 كيلومترات. أما الجثث التي لم يتم التعرف على أصحابها، فيتم تمييزها بملصقات خاصة وتسجيل بياناتها لحفظها.

رئيس قطاع الطب الشرعي في الخرطوم، هشام زين العابدين، أوضح أن فريقه اكتشف 307 قبور عشوائية في الحي، معظمها أمام المنازل وفي المساجد والمدارس، مشيرًا إلى أن الظروف الأمنية آنذاك حرمت الأهالي من إقامة جنازات أو دفن لائق لذويهم.

أكثر من 2000 أسرة أعادت دفن رفات ضحاياها
أكثر من 2000 أسرة أعادت دفن رفات ضحاياها

“لم نجد مكانًا لدفنها”
جواهر آدم، وهي أم فقدت ابنتها البالغة من العمر 12 عامًا جراء قصف لم تعرف مصدره، تروي والدموع تملأ عينيها كيف دفنت ابنتها في الحي لعدم وجود مقبرة آمنة. تقول: “هذه المرة ندفنها بكرامة… إكرام الميت دفنه”.

الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، حصدت أرواح عشرات الآلاف.

المبعوث الأميركي السابق توم بيرييلو قدّر عدد القتلى بما لا يقل عن 150 ألفًا خلال العام الأول فقط، في حين تُظهر تقديرات كلية لندن للصحة العامة أن الوفيات في الخرطوم ارتفعت بنسبة 50% خلال الأشهر الـ14 الأولى من النزاع، مسجلة 61 ألف وفاة، بينها 26 ألفًا نتيجة أعمال العنف المباشر.

عائلات سودانية أمام قبور ضحاياها
عائلات سودانية أمام قبور ضحاياها

من مقبرة إلى مدرسة
الهلال الأحمر انتشل حتى الآن نحو ألفي جثة من مواقع مختلفة في الخرطوم، لكنه يعتقد أن العاصمة تضم ما لا يقل عن 10 آلاف رفات في مقابر عشوائية. ورغم الجهود المبذولة، لا تزال آلاف العائلات تجهل مصير أحبائها؛ إذ وثقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نحو 8 آلاف مفقود، مؤكدة أن الرقم لا يمثل سوى “قمة جبل الجليد”.

قبل الحرب، كان يسكن الخرطوم نحو 9 ملايين نسمة، نزح منهم 7 مليون بسبب المعارك، بينما تتوقع الأمم المتحدة عودة مليوني شخص إذا ما تحسن الوضع الأمني وأعيد تشغيل البنى التحتية، التي ما زالت حتى الآن تعاني من انقطاع الكهرباء والمياه، وتحول كثير من المدارس والمستشفيات إلى أنقاض.

في حي الأزهري، وبعد إتمام نقل الرفات، يأمل المسؤولون استكمال مشروع بناء مدرسة كانت الأرض المخصصة لها قد تحولت إلى مقبرة طارئة خلال الحرب. يقول يوسف محمد الأمين، المدير التنفيذي لمحلية جبل أولياء: “إن شاء الله سينشئون مدارس لتعليم أبنائهم… الرفات التي كانت موجودة في الميدان كانت تعيق بناء المدرسة”.

وبينما تغادر شاحنات الهلال الأحمر محملة بأكياس الجثث، تظل الخرطوم مدينة تودّع موتاها ببطء، على أمل أن تتوقف آلة الحرب، ويعود الأحياء إلى حياة أقل وجعًا.

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى