شهدت العاصمة البريطانية لندن، الأحد، تظاهرة نظّمها سودانيون أمام مكتب رئيس الوزراء البريطاني في داونينغ ستريت، تعبيرًا عن تأييدهم للحكومة التي أعلن عنها تحالف “السودان الجديد – تأسيس” في 26 يوليو الماضي، وسط جدل واسع بسبب ازدواجية السلطة بين هذه الحكومة والجيش المتمركز في بورتسودان.
ورفع المتظاهرون لافتات تطالب المجتمع الدولي بدعم عملية انتقال سياسي سلمي، وإجراء إصلاحات ديمقراطية تعيد الاستقرار إلى السودان بعد أكثر من عامين من الحرب المدمّرة.
خلفية سياسية وانقسام داخلي
تشكيل حكومة “تأسيس” قوبل برفض رسمي من الاتحاد الأفريقي، الذي اعتبر الخطوة تصعيدًا يهدد وحدة البلاد. ورغم ذلك، شدد رئيس “تجمع شباب الهامش” حماد غبشات، خلال المسيرة في لندن، على أن الدعم الشعبي هو “الاعتراف الحقيقي” بتلك الحكومة، معتبرًا أن التفويض الجماهيري هو الركيزة الأساسية لشرعيتها.
ويأتي هذا التطور بعد نحو عام من تأسيس التحالف، الذي يضم قوات الدعم السريع وعددًا من الأحزاب والحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام (2020). وقد أعلن الشهر الماضي عن تشكيل سلطة بدارفور تضم مجلسًا برئاسة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ونائبًا له رئيس الحركة الشعبية – شمال عبد العزيز الحلو، فيما تولى محمد حسن التعايشي منصب رئيس الوزراء.
شهادات من المشاركين
الطيب الزين، أحد المشاركين في مسيرة لندن، قال: “تظاهرنا اليوم بعد نضال طويل ضد نظام الإخوان، وهذه الحكومة تعبّر عن تطلعات شريحة واسعة من السودانيين نحو دولة مدنية ديمقراطية فيدرالية علمانية”.

اسباب الرفض الواسع لحكومة تأسيس
يرى خبراء ومحللون أن رفض حكومة “تأسيس” يستند إلى أنها حكومة أمر واقع مرتبطة بمليشيا متهمة بالانتهاكات، وتُهدد وحدة السودان وتخالف الأعراف الدولية، بجانب كونها خطوة أحادية تزيد من الانقسام ولا تستند إلى إجماع شعبي أو قانوني.
وقد جاء الرفض الكبير لحكومة تحالف “تأسيس” من عدة جهات (إقليمية، دولية، ومحلية)، ولكل منها دوافعه وأسبابه، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أسباب داخلية (سودانية):
-
ازدواجية السلطة: وجود حكومة في بورتسودان مدعومة من الجيش، وأخرى أُعلنت من “تأسيس” في دارفور، يُهدد وحدة الدولة ويعمّق الانقسام.
-
ارتباط التحالف بالدعم السريع: كثير من السودانيين يرون أن قوات الدعم السريع متورطة في جرائم حرب وانتهاكات واسعة، ما يجعل أي حكومة مرتبطة بها فاقدة للشرعية.
-
تهميش القوى الأخرى: الحكومة المعلنة لم تضم طيفًا سياسيًا واسعًا، بل ارتكزت على مكونات محددة (الدعم السريع، بعض الحركات الموقعة على جوبا)، مما أثار انتقادات بأنها حكومة “إقصائية”.
-
فقدان الاعتراف الشعبي الكامل: رغم وجود مسيرات داعمة، إلا أن قطاعات واسعة من الشارع تعتبر “تأسيس” محاولة لفرض أمر واقع بالقوة وليس عبر توافق وطني.
أسباب إقليمية (الاتحاد الأفريقي والدول المجاورة):
-
انتهاك مبدأ وحدة السودان: الاتحاد الأفريقي يرفض أي خطوات أحادية قد تؤدي إلى تقسيم البلاد أو إضعاف سلطتها المركزية.
-
الخوف من انتقال الفوضى: دول الجوار (تشاد، مصر، جنوب السودان) تخشى أن يؤدي الاعتراف بحكومة “تأسيس” إلى إشعال حركات انفصالية أو صراعات داخل حدودها.
-
التعارض مع اتفاق جوبا للسلام: الإعلان عن حكومة جديدة خارج إطار جوبا أو أي تفاوض رسمي يُعد التفافًا على الاتفاقية التي وُقّعت برعاية إقليمية ودولية.
أسباب دولية (الأمم المتحدة، القوى الغربية):
-
غياب الشرعية القانونية: لم يتم تشكيل حكومة “تأسيس” عبر انتخابات أو عملية سياسية متفق عليها، بل عبر تحالف عسكري – سياسي محدود.
-
ارتباطها بقيادات مثيرة للجدل: مثل محمد حمدان دقلو (حميدتي) وعبد العزيز الحلو، ما يضعف فرص قبولها دوليًا بسبب سجلهم المتنازع عليه.
-
مخاوف من تعطيل جهود السلام: المجتمع الدولي يرى أن قيام حكومة موازية يعرقل أي مفاوضات لوقف الحرب الجارية منذ 2023.
-
تجنّب سابقة الاعتراف بالحكومات الموازية: دول كبرى تخشى أن الاعتراف بها يشجع جماعات مسلحة في دول أخرى على تشكيل سلطات بديلة.
البُعد المجتمعي والإنساني:
-
-
كثير من السودانيين يعتبرون أن “تأسيس” تستغل مأساة دارفور ومظلومية بعض المكوّنات لإضفاء شرعية على سلطة عسكرية بديلة.
-
الإعلان عنها وسط حرب دامية، خلفت آلاف القتلى والنازحين، فُهم على أنه توظيف للأزمة الإنسانية لتحقيق مكاسب سياسية.
-











