
متابعات _ اوراد نيوز
في خطوة تاريخية، أصدر مجلس الوزراء السعودي قرارًا جديدًا يفتح آفاقًا واسعة أمام تملك الأجانب للعقارات في المملكة. ورغم أن السماح لغير السعوديين بالتملك العقاري ليس أمرًا حديثًا تمامًا، إلا أن القانون الجديد يحمل في طياته تسهيلات غير مسبوقة، مع مراعاته لبعض الشروط، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ في الشهر الأول من عام 2026.
صدر القرار في اجتماع للحكومة ترأسه وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، يوم الثلاثاء 8 يوليو/تموز. ويأتي هذا التحرك ضمن رؤية المملكة 2030 الطموحة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وتنويع الاقتصاد بعيدًا عن الاعتماد الكلي على النفط، بحسب الخبير العقاري والرئيس التنفيذي لشركة “منصات” العقارية، خالد المبيّض، في مقابلة مع بودكاست “يستحق الانتباه” على بي بي سي نيوز عربي.
يُعد هذا القرار علامة فارقة ضمن جهود المملكة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز النمو الاقتصادي، بما يتماشى مع رؤية 2030 الطموحة. فالتوسع في خيارات التملك للأجانب سيساهم بشكل كبير في تنشيط القطاع العقاري وجذب رؤوس الأموال، مما يعزز مكانة السعودية كوجهة استثمارية عالمية.
تفاصيل القرار المنتظر وشروطه الأولية
من المتوقع صدور النص الكامل للقرار وتفاصيله، بما في ذلك اللوائح والشروط والإجراءات والمتطلبات القانونية والمالية، ونشرها على منصة “استطلاع” الحكومية السعودية. وسيدخل القرار حيز التنفيذ خلال 180 يوماً من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
من الشروط الأولية التي كُشف عنها حتى الآن، عدم السماح للأجانب غير المسلمين بالإقامة في مكة والمدينة. وينتظر القطاع العقاري صدور اللائحة التنفيذية بفارغ الصبر.
نقلة نوعية في حق التملك: من السكني إلى التجاري والصناعي
أوضح خالد المبيّض أن القانون الجديد سيحدث فارقاً كبيراً مقارنة بالقانون السابق. فقد كان حق تملك الأجانب للعقارات في السعودية مقتصراً في السابق على العقار السكني فقط. أما النسخة المعدلة من القانون فستمنح الأجانب حق تملك العقارات التجارية والصناعية، وبالتالي الحق في الاستثمار العقاري الواسع.
وأضاف المبيّض أن قانون التملك القديم كان محصوراً في نقاط ضيقة ويتطلب موافقات خاصة قد تستغرق شهوراً، ولم تكن هناك لوائح واضحة. على سبيل المثال، لم يكن مسموحاً لغير السعوديين التملك في مكة والمدينة، بينما قد يمنح القرار الجديد الأجانب المسلمين حق التملك فيهما.
وكان القانون السابق يشترط أن يكون الأجنبي الراغب في تملك عقار مقيماً بصفة شرعية في السعودية، وحاصلاً على ترخيص لممارسة العمل. كما كان يلتزم بمبدأ المعاملة بالمثل. ويتساءل المبيّض: “لا ندري بعدُ ما إذا كان النظام الجديد سيسمح للأجانب غير المقيمين في السعودية بالتملك أيضاً”.
تبعات محتملة على المواطن السعودي: قلق من ارتفاع الأسعار
يرى بعض المراقبين أن للقرار تبعات سلبية محتملة، إذ قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات ويزيد من حدة المنافسة بين المستثمرين، مما قد يضر بمصلحة المواطن السعودي الباحث عن سكن أو استثمار عقاري ضمن قدرة شرائية محدودة. وقد سبق لصحيفة عكاظ السعودية أن تحدثت، في سبتمبر 2024، عن ارتفاع مستمر في إيجارات الشقق السكنية بنسبة 10.7% خلال أغسطس 2024، مما يثير صعوبة للشباب في إيجاد سكن مناسب.
لكن الخبير خالد المبيّض أكد لبي بي سي أن الحكومة وضعت مصلحة المواطن ضمن أولوياتها. وأوضح أن النظام الجديد سيحدد مناطق يكون السكن فيها “حكراً على المواطنين”، مؤكداً أن المواطن السعودي لا يستطيع تحمل المنافسة أو المضاربة أو تداعيات التضخم العقاري، الذي يعتبر المحرك الأساسي للتضخم العام.
وأكد وزير الشؤون البلدية والإسكان، رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للعقار، ماجد بن عبد الله الحقيل، أن “النظام المُحدَّث” لقانون التملك “يراعي مصالح المواطنين من خلال آليات تضمن ضبط السوق والامتثال للإجراءات المُحددة، بما يحقق التوازن العقاري”.
انعكاسات اقتصادية: دفع عجلة التنمية وتنويع الموارد
يشكل القطاع العقاري حالياً 6.5% من الناتج المحلي في السعودية. ويرى خالد المبيّض أن المملكة “أصبحت أكثر جاذبية وجاهزية”، وأن السوق العقاري “يتحمل ويحتاج ويتطلب دخول مستثمرين لرفع كفاءة الوحدات السكنية”.
ولفت إلى أن التطوير العقاري “يُحرّك دائماً أكثر من 80 صناعة، بشكل مباشر وغير مباشر”، ويتطلب توظيف عدد كبير من الأشخاص، مما سيُحدث “طفرة في كثير من القطاعات”. وأضاف أن هذا التطوير سيدخل العملة الصعبة إلى القطاع، ويقلل الاعتماد على النفط، مما يعود بالنفع على المواطن السعودي.
يؤكد المبيّض أن “الحديث لا يقتصر هنا على تملك العقار فقط، بل يشمل أيضاً تملك المصانع”، وهو ما قد يمهد لظهور مشاريع أو شركات عملاقة، مثل مصانع “بوينغ” للطائرات و”لوسيد” للسيارات الكهربائية في منطقة جازان.
وفي ورقة بحثية صدرت في يناير الماضي، ذكرت المجموعة المالية “هيرميس” أن تعديل قانون تملك الأجانب، خاصة إذا شمل خفض الحد المرتبط بشروط الإقامة المميزة (التي تشترط حالياً تملك عقار لا تقل قيمته عن 4 ملايين ريال سعودي)، سيعزز الطلب على العقارات من قبل المستثمرين غير السعوديين، خصوصاً المغتربين والأجانب الراغبين في الاستفادة من برامج الإقامة المميزة. وتعتقد هيرميس أن هذه الخطوة قد تحدث نقلة نوعية في السوق العقاري.