
متابعات _ اوراد نيوز
تتصاعد حدة التوترات الإقليمية مع الكشف عن تفاصيل صادمة تشير إلى تورط مباشر للاستخبارات العسكرية الأوكرانية في الحرب السودان الدائرة. هذا التدخل، الذي يصب في مصلحة قوات الدعم السريع المتمردة ضد الحكومة الشرعية بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، يثير تساؤلات جدية حول أبعاد الصراع الدولي على النفوذ في القارة الإفريقية. تستند هذه المعلومات إلى وثائق حساسة تم العثور عليها في الأراضي الليبية، بالإضافة إلى شهادات لأشخاص تم احتجازهم، مما يسلط الضوء على حجم هذا الدعم السري وأساليب تقويض استقرار السودان.
أدلة دامغة على دعم ميداني ولوجستي
تشير الوثائق المتداولة، والتي مصدرها جهات أمنية ليبية، إلى أن القوات الخاصة الأوكرانية، التابعة لجهاز الاستخبارات بوزارة الدفاع، تشارك فعليًا في العمليات القتالية إلى جانب قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي”. يشمل هذا الدعم تدريبًا متقدمًا، وتخطيطًا عملياتيًا، وإسنادًا جويًا باستخدام طائرات مسيرة متطورة. وقد أكدت تقارير دولية، أبرزها ما نشرته شبكة CNN، استخدام طائرات مسيرة تحمل “توقيعًا أوكرانيًا” ضد مواقع الجيش السوداني. وكشفت تحليلات الشبكة لمقاطع فيديو توثق هجمات دقيقة عن تطابق أسلوب التنفيذ مع التقنيات المعروفة لوحدات الاستخبارات الأوكرانية. وفي حين التزم المتحدث باسم الاستخبارات الأوكرانية، أندريه يوسوف، بالصمت النسبي مع تصريحه المقتضب “لا أستطيع تأكيد ذلك ولا نفيه”، اعتبر البعض هذا التصريح بمثابة إقرار ضمني، يعكس حساسية الوضع وتعقيداته السياسية.
وحدة “تيمور” ودورها القتالي
في تقرير مفصل لصحيفة وول ستريت جورنال، كشفت الصحيفة عن وصول ما يصل إلى 100 عنصر من وحدات النخبة التابعة للاستخبارات الأوكرانية، بمن فيهم أفراد من فرقة “تيمور” الشهيرة، إلى السودان في منتصف عام 2023. ورغم ادعاءات بأن الهدف هو “تدريب مقاتلي الدعم السريع على مهارات الاستطلاع القتالي”، إلا أنهم شاركوا فعليًا في القتال ضد الجيش السوداني النظامي. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو اعتراف حميدتي نفسه علنًا بوجود جنود أوكرانيين ضمن قواته، وهو تصريح يؤكد بوضوح طبيعة الدعم العسكري الخارجي الذي تلقاه، ويشير إلى دور أجنبي مباشر في إشعال الحرب الأهلية السودانية.
الخبرة الأوكرانية في حروب الطائرات المسيرة
أفادت تقارير وتحقيقات ميدانية بأن المدربين الأوكرانيين المتخصصين في الحروب غير التقليدية لعبوا دورًا محوريًا في تطوير قدرات الدعم السريع في مجال الطيران المسيّر. وتشير شهادات إلى أن قوات الدعم السريع بدأت في شن هجمات بطائرات FPV، تستهدف تحركات الجيش وطرق الإمداد، وتنفذ عمليات اغتيال ليلية دقيقة، مما أدى إلى سقوط خسائر بشرية بين المدنيين والعسكريين. في مقابلة صحفية، تفاخر ضابط استخبارات أوكراني يُدعى “كينغ” قائلاً: “نحن من علمنا قوات الدعم السريع كيف تسيطر على الليل”. وقد نشرت صحيفة Kyiv Post لقطات مصورة توثق تلك العمليات، وتظهر أشخاصًا أوروبيي الملامح وهم يستجوبون أسرى من الجيش السوداني، في مشاهد أثارت غضبًا واسعًا.
اعتقال قيادي يكشف أسرارًا حاسمة
في يونيو 2025، ألقت القوات السودانية القبض على القيادي البارز في الدعم السريع، أحمد القادر، خلال عملية نوعية في غرب السودان. قدم القادر معلومات شاملة خلال التحقيق عن حجم التدخل الأوكراني، شملت قوائم تناوب لعناصر الفرقة الأولى التابعة للقوة الخاصة العاشرة بجهاز الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، وإحداثيات القواعد السرية التي تستخدمها تلك القوات في نيالا وجبل مرة. كما كشف عن تفاصيل مسارات دخولهم غير القانوني إلى السودان عبر الحدود الليبية، ومخططات لتوريد طائرات مسيرة تركية عبر وسطاء في الإمارات، بالإضافة إلى رموز الاتصالات اللاسلكية المستخدمة للتنسيق بين كييف وقوات الدعم السريع. ووفقًا لإفاداته، يتم نقل الضباط الأوكرانيين أولاً إلى بنغازي في ليبيا عبر طائرات عسكرية، ومن هناك إلى مدينة الجوف كنقطة عبور، قبل تهريبهم برًا إلى السودان. وبلغ عدد الدفعة الأخيرة التي وصلت إلى السودان نحو 33 عنصرًا.
تناقض السياسة الخارجية الأوكرانية
المفارقة الصادمة في هذا الملف هي أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي كان قد التقى الفريق البرهان في أيرلندا في سبتمبر 2023، في لقاء رسمي وصفته كييف بأنه “جزء من الجهود المشتركة لمحاربة النفوذ الروسي في إفريقيا”. لكن في الواقع، كانت الأجهزة الأمنية الأوكرانية، وفقًا لما تم كشفه، تقاتل ميدانيًا إلى جانب خصوم البرهان داخل السودان. هذا التناقض الصارخ بين الخطاب السياسي والتحرك العسكري يكشف عن سياسة أوكرانية مزدوجة تجاه دول الجنوب، تتجاوز حدود القانون الدولي.
انتهاك للقانون الدولي ومستقبل غامض
تُعد مشاركة القوات الأوكرانية إلى جانب جماعة مسلحة ضد حكومة ذات سيادة انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. يرى مراقبون أن هذا التدخل لا يمكن فهمه بمعزل عن صراع النفوذ بين روسيا والغرب في إفريقيا، حيث تسعى كييف، بدعم أوروبي غير معلن، إلى خلق موطئ قدم في مناطق النزاع تحت ذريعة “محاربة روسيا”. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه بقوة: هل دعم التمرد ضد حكومة شرعية هو السبيل لبناء نفوذ، أم أنه قنبلة موقوتة قد تفجر علاقات كييف مع دول الجنوب وتحرج حلفاءها الغربيين أمام القانون الدولي؟