من كندا .. لماذا يختار المهاجرون العودة إلى أوطانهم؟
متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز
أحلام المهاجرين في كندا: هل تتبدد على صخرة الواقع؟
لطالما اعتُبرت كندا، وخاصةً مقاطعة ألبرتا، جنةً للمهاجرين الباحثين عن فرص عمل وفيرة وحياة كريمة، بفضل نظام هجرة يُوصف بالميسر. لكن هذه الصورة الوردية بدأت تتلاشى تدريجياً، لتكشف عن واقعٍ مليء بالتحديات التي تُصدم الوافدين الجدد وتُهدد طموحاتهم.
موجة “الهجرة العكسية” تتصاعد
تُشير البيانات الرسمية الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية إلى تصاعد ظاهرة “الهجرة العكسية”، حيث غادر البلاد أكثر من 106 آلاف و134 شخصًا بشكل دائم في عام 2024. هذا الرقم هو الأعلى منذ عام 1967، ويُعد مؤشرًا قويًا على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تُعيق استقرار القادمين الجدد وتُبدد آمالهم.
صدمة الواقع: قصص من الميدان
قصة مالك عمار، الشاب العربي الذي وصل إلى ألبرتا عام 2020 بشهادة في برمجة الحاسوب، تُجسد معاناة الكثيرين. فما اعتبره “أرض الفرص والاقتصاد المزدهر”، تحول إلى كابوس بسبب اشتراط سوق العمل الكندي “الخبرة المحلية” والعلاقات المسبقة، بالإضافة إلى طول إجراءات معادلة الشهادات الجامعية وتكاليفها.
رغم طموحه بالعمل في مجال البرمجة، اضطر مالك (30 عامًا)، الذي كان يعمل في ليبيا في منظومة الجوازات، للعمل في وظائف لا تتناسب مع تخصصه، مثل مسالخ اللحوم والمطاعم والبناء وتربية الحيوانات، براتب لا يتجاوز 15 دولارًا كنديًا (11 دولارًا أمريكيًا) في الساعة. وبعد 5 سنوات من الكفاح، حيث كان معظم دخله يذهب لتغطية الإيجار والفواتير، قرر مالك في أبريل 2025 العودة إلى بلاده بحثًا عن ظروف معيشية أفضل.
قصة مالك ليست فردية، بل تعكس واقع العديد من الشباب العرب المؤهلين الذين يجدون أنفسهم عالقين في وظائف مؤقتة أو أقل من مستواهم، بسبب تعقيدات سوق العمل الكندي.

تحديات سوق العمل الكندي
تُظهر الإحصائيات تصاعدًا في معدل البطالة في كندا، حيث وصل إلى 7% في مايو الماضي، وهو أعلى مستوى له منذ ما يقرب من 9 سنوات (باستثناء فترة جائحة كورونا). وقد بلغ عدد العاطلين عن العمل 1.6 مليون شخص، بزيادة تقارب 14% مقارنة بعام 2024. كما انخفضت إعلانات الوظائف بنسبة 22%.
أحمد زقوت (40 عامًا)، صحفي وإعلامي بخبرة 23 عامًا وعمل مع وكالة رويترز لـ20 عامًا، واجه تحديًا مشابهًا. فمع كونه حائزًا على جوائز دولية ويُجيد اللغة الإنجليزية، إلا أنه استُبعد من الوظائف التي تقدم لها بسبب اشتراط “الخبرة الكندية” وغياب شبكة المعارف المحلية. اضطر أحمد للعمل في توصيل الطلبات والبناء وإزالة الثلوج لتغطية نفقات عائلته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال، ورغم إحباطه، يظل مُصممًا على تحقيق حلمه في كندا.
تُشير التقارير المحلية إلى أن 70% من أرباب العمل في كندا يشترطون الخبرة المحلية، وأن 35% من المهاجرين لا يملكون شهادات معترفًا بها، و52% لا يُجيدون اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية، مما يُشكل عائقًا كبيرًا أمام المهاجرين الجدد.
مفاتيح الاندماج والنجاح
تُؤكد مستشارة إعادة التوطين والاندماج، سفين صالحة، الحائزة على جائزة “المواطن المؤثر” من حكومة ألبرتا، أن المهاجرين الجدد، خاصة العرب، يُواجهون تحديات كبيرة في الاندماج بسوق العمل والمجتمع. هذه التحديات تشمل:
- صعوبة الحصول على عمل في التخصص: بسبب ضعف إتقان اللغة وغياب “الخبرة الكندية”.
- عدم الاعتراف بالمؤهلات العلمية: من خارج كندا، مما يتطلب معادلة معقدة.
- نقص المعرفة بالموارد الداعمة: مثل برامج اللغة وخدمات العمل.
- عوائق ثقافية ونفسية ومالية: ناتجة عن تكاليف الحياة والقلق من المستقبل.
للتغلب على هذه التحديات، تُنصح صالحة القادمين الجدد بما يلي:
- تعلم اللغة: من خلال البرامج المجانية لتحسين التواصل وفرص العمل.
- العمل المؤقت أو التطوعي: لاكتساب “الخبرة الكندية” وفهم ثقافة العمل.
- معادلة المؤهلات الأكاديمية: مبكرًا.
- المرونة والتفكير في تغيير التخصص: ليُناسب سوق العمل.
وتُشدد صالحة على أن فهم النظام الكندي، والتحلي بالصبر والمرونة، وبناء الثقة بالنفس، والانفتاح على التغيير، هي مفاتيح أساسية لتحقيق الاندماج والاستقرار في كندا.
مستقبل المهاجرين في كندا
رغم جاذبيتها المستمرة، قد تُؤدي التحديات المتزايدة في كندا، مثل ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبات سوق العمل، إلى زيادة معدلات الهجرة العكسية، خاصة في أونتاريو التي شهدت 48% من حالات المغادرة في عام 2024.
لضمان الاحتفاظ بالمهاجرين المهرة، تحتاج الحكومة الكندية إلى:
- الاستثمار في السكن الاقتصادي.
- تسريع تقييم المؤهلات.
- توسيع برامج التوطين.
أما بالنسبة للمهاجرين العرب، فإن التخطيط الجيد، وتعلم اللغة، وبناء شبكة معارف قوية، تُعد مفاتيح أساسية للنجاح في سوق العمل الكندي.