
متابعات _ اوراد نيوز
بعد نحو خمسة أشهر من تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب زمام الأمور، تطلق واشنطن مساعي جديدة في السودان لوضع حد للحرب الدائرة، والتي تدخل عامها الثالث. هذه الجهود تأتي في سياق إحياء “المجموعة الرباعية” التي سبق أن تأسست لدعم التحول المدني بعد الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير. اللافت في التشكيل الجديد هو غياب بريطانيا وحلول مصر محلها.
تفاصيل اجتماع واشنطن وتداعيات غياب بريطانيا
عقدت وزارة الخارجية الأميركية اجتماعاً مهماً يوم الثلاثاء الماضي، جمع نائب وزير الخارجية كريستوفر لاندو والمستشار الأول لشؤون أفريقيا مسعد بولس، إلى جانب سفراء السعودية، ريما بنت بندر، ومصر، معتز زهران، والإمارات، يوسف العتيبة. هذا الاجتماع جاء ضمن إطار “المجموعة الرباعية”.
وقد برز بشكل واضح غياب بريطانيا التي كانت لاعباً رئيسياً في الملف السوداني قبل اندلاع الصراع. اعتبر محللون هذا الغياب مؤشراً على تراجع التوافق الأميركي-البريطاني بشأن القضية السودانية.
وصرح المتحدث باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، بأن هذا اللقاء يندرج ضمن المساعي الدولية لاحتواء تداعيات الحرب في السودان. وأكد لاندو أن الحرب تمثل تهديداً للمصالح الإقليمية المشتركة ويفاقم الأزمة الإنسانية، مشدداً على رفض بلاده للحل العسكري ودعوتها للتركيز على المسار التفاوضي. كما دعا دول الرباعية إلى تكثيف جهودها لحث الأطراف المتحاربة على وقف القتال والتوصل إلى تسوية سياسية تضمن الاستقرار في السودان.
تعثر منبر جدة وخيارات التفاوض البديلة
تأتي هذه التحركات الأميركية بعد تعثر “منبر جدة”، الذي رعته واشنطن والرياض، حيث فشلت الأطراف في الالتزام ببنود الوثيقتين الموقعتين، خصوصاً من جانب قوات الدعم السريع التي لم تُخلِ المواقع المدنية، ما أدى إلى تعليق المفاوضات منذ أواخر عام 2023.
وكانت الولايات المتحدة قد طرحت مبادرة لعقد محادثات في سويسرا بين الحكومة السودانية والدعم السريع في أغسطس/آب الماضي، لكن الخرطوم رفضت نقل المفاوضات من جدة، وأصرت على تنفيذ الاتفاق السابق قبل أي حوار جديد.
وفي فبراير/شباط، سلمت الخارجية السودانية للأمم المتحدة خارطة طريق لحل الأزمة، تتضمن مقترحات للمرحلة الانتقالية وشروط وقف إطلاق النار.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تحركات من المبعوث الأممي رمطان لعمامرة، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي محمود علي يوسف، ومنظمة “إيغاد” أو ما يعرف بـ**”الآلية الثلاثية”**. رحب هؤلاء بشكل منفصل بتعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء، في خطوة نحو جهود مشتركة لوقف الحرب وتقريب مواقف الأطراف.
موقف الحكومة السودانية من مبادرة الرباعية
صرحت مصادر دبلوماسية سودانية للجزيرة نت بأن الحكومة السودانية لم تتلقَ دعوة رسمية من واشنطن بشأن تحرك الرباعية، لكنها تبدي تحفظها على مشاركة أي دولة تدعم “م_ليشيا الدعم السريع”.
وأكدت المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن الحكومة السودانية حريصة على السلام وقد شاركت في مفاوضات جدة. ومع ذلك، استغلت قوات الدعم السريع الهدن للتوسع العسكري، كما صرح قائدها محمد حمدان دقلو “حميدتي” مؤخراً برفضه العودة لطاولة التفاوض.
من جهته، رحب تحالف “صمود” بنتائج اجتماع الرباعية، واعتبره خطوة مهمة لإنهاء الحرب، خاصة فيما يتعلق بوقف إطلاق النار، وتسهيل إيصال المساعدات، وحماية المدنيين.
وفي حديث للجزيرة نت، قال المتحدث باسم التحالف، جعفر حسن، إن إنهاء الحرب يتطلب ضغوطاً متواصلة على الأطراف للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار والشروع في عملية سياسية تفضي إلى سلام دائم ونظام ديمقراطي مدني.
الانخراط الأميركي الحذر وتحديات الرباعية
يرى الباحث السياسي محمد علاء الدين أن إدارة ترامب لم تُولِ أفريقيا اهتماماً كبيراً، ومنشغلة بملفات أخرى. كما أنها لم تكمل بعد تشكيل فرقها المعنية بالشأن الأفريقي في مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية، ما حال دون بلورة سياسة واضحة تجاه السودان.
وقال علاء الدين للجزيرة نت، إن إحياء الرباعية يعكس رغبة واشنطن في التفاعل مع الملف السوداني عبر شركائها، لا منفردة، وذلك لتخفيف ضغوط داخلية من الكونغرس، وأخرى من منظمات حقوقية تتهمها بالتقصير تجاه دعم بعض الدول لقوات الدعم السريع، المتهمة بارتكاب جرائم حرب في دارفور.
ويعتقد علاء الدين أن نجاح الرباعية مرهون بتسوية الخلافات وضرورة تفعيل دور الجامعة العربية، وصياغة مقاربة تراعي تطلعات الشعب السوداني للسلام، دون إعادة قوات الدعم السريع إلى المشهد.
أما المتحدث السابق باسم الخارجية السودانية، العبيد مروح، فيرى أن الرباعية ستظل عاجزة لأسباب منها تبني المجتمع الدولي -وفي مقدمته واشنطن- لمقاربة تعتبر الحرب “نزاعاً بين الجيش والدعم السريع” فقط، ما يقصي الحكومة من التفاوض، وأدى إلى فشل محادثات سويسرا قبل انطلاقها.
لكنه في المقابل أكد أن التحرك الأميركي لا يتعارض مع جهود الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، و”إيغاد”، بل يندرج ضمن سقف الرباعية ومظلتها الأميركية.