اقتصاد

فتح المجال الجوي… استعادة سيادة الدولة السودانية

متابعات _ اوراد نيوز 

متابعات _ اوراد نيوز

في خضم التحديات الراهنة، تبرز الحاجة الماسة إلى تخطيط استراتيجي وفوري لإعادة فتح المجال الجوي السوداني. هذا الإجراء ليس مجرد خطوة فنية، بل هو ركيزة أساسية لاستعادة سيادة الدولة، تنشيط الاقتصاد، وتيسير حركة المساعدات الإنسانية والتجارية. تتسم عملية فتح الأجواء بالتعقيد، إذ تتطلب جاهزية تقنية عالية، بنية تحتية سليمة، كوادر بشرية مؤهلة، وتنسيقًا إقليميًا ودوليًا دقيقًا.

يسلط هذا المقال الضوء على أبرز المتطلبات، التحديات، والفرص المتعلقة بإعادة فتح الأجواء السودانية، مؤكدًا على حتمية التحرك الاستباقي – قبل انتهاء النزاع – لضمان الجاهزية بمجرد توافر الحد الأدنى من الاستقرار.

أولاً: الأولوية لتأهيل أجهزة الملاحة الجوية

لا يمكن تحقيق عمليات طيران آمنة ومنظمة دون بنية تحتية فعالة لأنظمة الملاحة الجوية، مثل أجهزة VOR، DME، ILS، والرادارات الثانوية والبديلة (ADS-B). لذا، لا بد من الإسراع في تقييم الأضرار التي لحقت بهذه الأنظمة وبدء إصلاحها أو استبدالها على الفور. أي تأخير في هذه الخطوة سيؤدي إلى:

  • استمرار فقدان السيطرة على المجال الجوي.
  • عدم قدرة السودان على استقبال رحلات عبور تجارية أو إنسانية.
  • تأخر استعادة الإيرادات السيادية من خدمات الملاحة الجوية.

ثانيًا: أهمية تأهيل الكادر الفني والبشري

حتى مع اكتمال البنية التحتية، فإن نقص الكفاءات المؤهلة سيحول دون تشغيلها. العديد من المراقبين الجويين ومهندسي الرادارات والفنيين نزحوا أو توقفوا عن العمل. لذلك، يجب البدء فورًا بـ:

  • تنظيم برامج تدريب عاجلة ومكثفة داخل وخارج السودان.
  • إعادة ترخيص واعتماد الكفاءات السابقة بعد تقييم مستوياتهم.
  • الاستفادة من الدعم الفني الدولي في برامج التأهيل السريع (منظمات مثل ICAO، IATA، و COSCAP/AFI).

ثالثًا: ضرورة تركيب رادارات أولية لتعزيز السيطرة والسيادة

تُعد الرادارات الأولية (Primary Surveillance Radars) عنصرًا حيويًا لفرض السيطرة الجوية. فهي تختلف عن الرادارات الثانوية التي تعتمد على استجابة الطائرة، حيث تتيح كشف الأجسام الطائرة دون الحاجة لتعاونها، مما يجعلها ضرورية لـ:

  • رصد الطائرات غير المعلنة أو المعادية.
  • تأمين المجال الجوي في الحالات الطارئة والاضطرابات.
  • تعزيز قدرات الدفاع الجوي الوطني والتكامل مع الجهات العسكرية.

يجب أن يكون تركيب الرادارات الأولية في مواقع استراتيجية مثل الخرطوم، الأبيض، بورتسودان، دنقلا، ونيالا، من الأولويات القصوى للمرحلة القادمة.

رابعًا: حتمية توقيع اتفاقات مسبقة مع الشركات المصنعة

يُعد الانتظار حتى ما بعد الحرب لبدء التفاوض مع الشركات المصنعة لمعدات الملاحة والرادارات خطأً استراتيجيًا. غالبية هذه الشركات تعمل وفق سلاسل تصنيع وجداول زمنية طويلة، وأي تأخير في الاتفاق سيؤدي إلى:

  • فقدان أولوية السودان في التوريد.
  • دخول البلاد في منافسة مع دول أخرى على نفس الموارد.
  • تعطيل خطة فتح الأجواء لعدة أشهر بعد استقرار الوضع الأمني.

لذا، من الحكمة توقيع مذكرات تفاهم (MoUs) أو خطابات نوايا (LoIs) مع الشركات المتخصصة من الآن، لتأمين الإنتاج المسبق، وتحديد المواصفات المطلوبة، وتجهيز البنى الفنية اللازمة للتركيب.

خامسًا: تقييم تجربة الفتح الجزئي شرقي البلاد وتعديل هيكل المجال الجوي

تمثل تجربة الفتح الجزئي للأجواء الشرقية (حول مطار بورتسودان) فرصة لتقييم مؤسسي معمق يشمل:

  • فحص كفاءة خدمات الملاحة الجوية والاتصالات.
  • مراجعة مدى تكامل هذا الجزء مع مراكز المراقبة في الدول المجاورة.
  • تحليل الإيجابيات (مثل استئناف بعض الرحلات والعبور) مقابل السلبيات (مثل العجز عن مراقبة الطائرات العابرة بدقة كاملة).

بناءً على هذا التقييم، يجب إعادة النظر في تصميم المجال الجوي السوداني. الهيكل الحالي الذي يقسم الأجواء إلى شمال وجنوب لم يعد مناسبًا. من الأجدى اعتماد هيكل ثنائي الارتفاع على النحو التالي:

  • Upper Airspace (FL245 فما فوق): للملاحة الجوية العابرة والمسافات الطويلة.
  • Lower Airspace (FL245 فما دون): للرحلات الداخلية والرحلات منخفضة الارتفاع.

هذا التصميم أكثر مرونة، ويتوافق مع التوجهات الحديثة في إدارة المجال الجوي، ويسهل التحكم بالتدفق الجوي (Air Traffic Flow Management) في حالات الطوارئ.

سادسًا: الفتح التدريجي للمجال الجوي ضمن خطة وطنية متكاملة

من غير الواقعي توقع فتح المجال الجوي بشكل كامل ومباشر. لذا، يجب أن تتم العملية بشكل تدريجي ومنضبط، بدءًا بالممرات الجوية الإنسانية، ثم التجارية، مع التوسع وفق تقييمات السلامة المستمرة. من المهم هنا:

  • إصدار NOTAMs دقيقة (مذكرات للملاحة الجوية).
  • تحديث البيانات الملاحية في منشورات الطيران.
  • التنسيق الوثيق مع الدول المجاورة ومراكز المراقبة الإقليمية.

خاتمة: فرصة لاستعادة السيادة وترميم الثقة الدولية

إن إعادة فتح المجال الجوي ليست مجرد ضرورة تشغيلية، بل هي أيضًا رمز لعودة الدولة السودانية إلى الساحة الدولية. ولكي تتحقق هذه الخطوة بفعالية، يجب أن تنطلق الآن عمليات التحضير الفني، والتخطيط المؤسسي، والتفاوض اللوجستي دون انتظار.

إن الجاهزية لا تُبنى بعد انتهاء الحرب، بل تُبنى خلال فترات الترقب، لأن من لا يستعد في الوقت الصعب، لن يكون مستعدًا في الوقت المناسب.

profile picture

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى