
متابعات _ اوراد نيوز
في مشهد قلّما يتكرر، تحولت مدينة قيسان بجنوب شرق ولاية النيل الأزرق السودانية إلى مسرح لحدث فريد وغريب الأطوار، حيث هبّت عاصفة رياح قوية محملة بفيض غزير من ثمار المانجو الناضجة، لتُمطر بها رؤوس المارة والمتسوقين في السوق الشعبي، وهو ما استدعى قرارًا مؤقتًا من السلطات بإغلاق السوق، مُبررًا بعبارة لا تخلو من سخرية: “أسباب فاكهية قاهرة”.
فوجئ السكان والتجار على حد سواء بهذه الظاهرة الطبيعية الاستثنائية، التي أغرقت المدينة بكميات هائلة من “الغنائم الاستوائية”، حيث تساقطت حبات المانجو بغزارة من الأشجار المحيطة بالسوق، خالقةً بذلك مشهدًا سرياليًا عطر الأجواء برائحة المانجو الزكية وصبغها بلونها الذهبي الآخاذ. ورغم عدم ورود تقارير عن إصابات جسيمة، فقد أعلنت السلطات المحلية عن إغلاق احترازي للسوق، وهو ما أثار موجة من التعليقات الساخرة بين النشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي، الذين وصفوا الإجراء بأنه جاء لـ “دواعٍ فاكهية قاهرة”.
وبينما سعى البعض للاحتماء بمظلاتهم من أمطار المانجو المفاجئة، لم يتمالك آخرون أنفسهم من الضحك والابتهاج بما اعتبروه “رزقًا سماويًا غير متوقع”. وسرعان ما انتشرت صور ومقاطع فيديو توثق هذا الحدث الطريف على نطاق واسع عبر منصات التواصل الاجتماعي، مصحوبة بسيل من التعليقات الفكاهية من قبيل: “في قيسان، المانجو تنزل عليك من السماء بلا تعب!” و”المانجو طفح بها الكيل وقررت أن تسقط بنفسها!” و”خير وفير… ولكن أين البنية التحتية؟!”.
جدير بالذكر أن ولاية النيل الأزرق تُعد من أهم معاقل إنتاج المانجو في السودان، الذي يحتل المرتبة الثانية عربيًا في إنتاج هذه الفاكهة الاستوائية، وذلك بفضل خصوبة التربة وتنوع المناخ وامتداد موسم الزراعة على مدار عشرة أشهر سنويًا. وتنتشر أشجار المانجو على مساحة تتجاوز 700 ألف فدان، منها ما يزيد عن 60 ألف فدان موزعة على ولايات جنوب كردفان وسنار والنيل الأزرق والشمالية.
ويبلغ متوسط الإنتاج السنوي حوالي مليون طن، تشمل 36 صنفًا متنوعًا، وتُعتبر الفترة الممتدة من ديسمبر إلى مارس هي الذروة لموسم تصدير المانجو عالي الجودة، الذي يتميز بمذاقه الرائع وحجمه الممتاز.
وعلى الرغم من الإمكانات الهائلة التي يزخر بها قطاع المانجو في السودان، إلا أن التدهور الملحوظ في البنية التحتية وضعف منظومة التسويق والتصدير قد تسببا في خسائر اقتصادية فادحة، حيث تتعرض كميات كبيرة من الإنتاج للتلف أو تُستخدم كعلف للحيوانات.
وقد شهدت البلاد محاولات فردية من خلال شركات خاصة أنشأت مزارع حديثة شمال الخرطوم تعتمد على أنظمة ري متطورة، إلا أنها لم تصمد طويلًا في مواجهة الأزمات المتلاحقة مثل انقطاع التيار الكهربائي والمياه وتصاعد وتيرة الحرب، مما أدى إلى توقف تلك المشاريع.
وتقع مدينة قيسان على بعد 178 كيلومترًا إلى الجنوب الشرقي من مدينة الدمازين، وتبعد عن العاصمة الخرطوم حوالي 550 كيلومترًا. وتكتسب أهمية استراتيجية نظرًا لموقعها الحدودي مع إثيوبيا، وتشتهر ببساتينها الكثيفة، خاصة أشجار المانجو، التي تنمو بوفرة في أحيائها وأسواقها مستمدة خصوبتها من خور تمت، أحد روافد النيل الأزرق القادم من المرتفعات الإثيوبية.
وفي الختام، وعلى الرغم من اللمسة الكوميدية التي اتسم بها حادث “عاصفة المانجو” وما أثارته من موجة سخرية على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها كشفت النقاب عن واقع زراعي ثري بالموارد ولكنه يعاني من أزمات متراكمة. فلم تكن هذه الحادثة مجرد نكتة عابرة، بل كانت بمثابة جرس إنذار يدق ناقوس الخطر، مُلِحًا على ضرورة إعادة تأهيل القطاع الزراعي في السودان واستغلال موارده الاستوائية الفريدة على النحو الأمثل.