
متابعات _ اوراد نيوز
كتب الخبير الاعلامي أيوب صديق:
إلى الفريق أول البرهان:
تهنئةٌونُصح…….
أخي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إنني لأُهنئُكَ وجيشَينا العظيمَ، بمكوناته المختلفة، ومسانديه المجاهدين، وجميعَ أفرادِ الشعبِ العظيم، بِعيد الفطر المبارك، وعلى هذه الانتصاراتِ المتتالية، التي حققها الله تعالى تحتَ قيادتكم الشجاعة، التي باتت مَضربَ المثلِ في عالم اليوم، راجيًا أن يُحققَ اللهُ تعالى بقيادتك اكتمالَ استدارةِ بدرِ النصر، الذي لا يَستثني شِبرًا من البلاد، فلا يُبقي فيها حاملَ سلاحٍ مُقاتلاً، أو متعاونًا عميلاً خفيًا خائنا.
إن المفهومَ ضمنًا أخي البرهان، من عنوان مقالي هذا ــ البشـيرُ بينَ السِـجنِ والمُستشــفى ــ هو معنىً استقيته من تصريح وزير الداخلية، بأن البشير موجودٌ في أحد المستشفيات بأم درمان وليس في السجن.
ويفهم ذلك عندي ضمنا من قول الوزير، إن لم يكنِ البشيرُ في المستشفى بسبب مرضٍ فهو في السِجن ضربةَ لازبٍ.
أما لماذا يبقى في السجن طيلة هذه السنوات، فهذا ما حملني على كتابةِ هذه الأسطر إليك، لأمحضَكَ نُصحًا لوجه الله تعالى، لا أبتغي من ورائه شيئًا، ولا أخشى من بعده شيئا، آملا أن يجد منك وجدانا قابلا له.
لقد كتب عددٌ من كرام الإخوة الكتابُ قبلي، يرجونك الإفراجَ عن الرئيس البشـيرُ ورفاقه من شيوخ العسكريين، الذين تُصرون على إبقائهم رهن السجون منذ سنوات، وهم تلتهم أجسادَهمُ الأمراض. وكانَ أولئك الإخوةُ الكتابُ يُثيرون فيك مشاعر الوطنية، وروابط الزمالة العسكرية، وغير ذلك مما أمِلوا أن يُحرك فيك عاطفة الإنسانية بالإفراج عنه، ولكنَ ذلك لم يحدث بكل أسف، وكأني بِكَ من حيثُ أردتَ أم لم تُرد، تُوفي بعهدٍ قطعه ذلك النائبُ العامُ السابق، الشيوعيُ تاج السر الحبر، الذي قال فيما نُقل عنه:
(إن هؤلاء الرجال لن يخرجوا من السِجن إلا بموتٍ أو بخرَف). ولم يدر ذلك الشيوعيُ بأن من يتعهدونَ القرآنَ لا يُدركهم الخرفُ، أما الموتُ فهو حقٌ على الجميع الكائنات على وجه هذه الأرض.
أما أنا هنا، فلا أسعى إلى استدرار العطف فيك، على رجلٍ كان بالأمسِ رئيسك في العمل، وله عليك فضلُ إنصافه لك بالترقي الوظيفي، مما جعل نتيجةَ فعله ذلك تسنمَك الآن ذروةَ سُلطةِ الحكم في البلاد.
★وإن كانت أسبابُ السياسة في بلادنا باتت تُجيز جحودَ كل ما فعل الرجلُ من خير، فما بال العمرُ والمرض؟ ألا يشفعان له عندكم، وكذلك لا يشفعان لإخوانه في المهنة والعُمر والمرض؟!!
إن ما آملُ فيه من مَحضيَِ النُصحَ لك، هو أن تلقى ربك وأنت سليم العاقبة فيما سأذَكرُك به، وهو أمرٌ خطيرٌ من الدين، الذي أوجبه اللهُ الذي ليس بينه وبين عباده رَحمٌ أو نسب.
مما يعرفه الجميعُ منا، أنك كنتَ على رأس مَن أُرسلوا إلى الرئيس البشـيرُ لإعلامه باعتزام الجيش الاستيلاءَ على السلطة، لوضع حدٍ للظرف الذي كانت تمر به البلاد آنذاك. فذهبتم إليه في المسجد، فوجدتموه قد فرغ من صلاة الفجر، ولم يزل في مجلسه يؤدي أذكار الصباح، في تلك الساعة من الفجر التي خصها الله تعالى بقرآن يُتلى إلى يوم القيامة، بقوله فيها:﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾ أي تشهده ملائكةُ الليل والنهار. ففي تلك الساعة أخبرتموه بما أُرسلتم به إليه، وقد أعطيتموه موثقـًا غليظـًا من الله، بأن تحفظوا له مكانته وتحترموه، إقامةً ومعاملةً كريمتيْن. فاطمأنَ لعهدكم ووثق في قولكم.
ولما شعر أنصاره بتحرككم وأرادوا أن يُخمدوه في مهده، فاستأذنوه في ذلك فمنعهم، وقيل إنه قال لهم:
(ديل أولادي وأنا باركتُ خطوتهم) وأنا نفسي رأيتُك وأنت تتحدثُ في إحدى قنوات التلفزيون العالمية، عن كيف وجدتموه في مُصلاه، وماذا قلتم له، ومــاذا قــال لكــم. ومما قلتَ لتلك القناة إنه قــال لكـم (على بركة الله … ) إلى آخر ما وصاكم به.
ولكن أخي البرهان؛ فهل أوفيتَم له بذلك الموثقِ الغليظِ الذي أعطيتموه إياه، في تلك الساعة من الفجر أمام الله وملائكةِ ليله ونهاره؟ لا، لم تفعلوا، بل آثرتم النَكثَ بوعدكم له الذي اطمأن لكم به. وقد كان عدمُ وفائكم له مُنتهى الإهانةِ له في نفسه، وفي والدته، التي يَشهد الجميعُ له ببره لها. فحرمتموها هي من رؤيته عندما طلبت منكم ذلك، ولم تحترموا ضعفها بسبب سنها التي ناهزت المئة سنة. وحرمتموه هو من رؤيتها عندما كانت في لحظات الاحتضار حتى تُوفِيتْ، ثم حرمتموه من تشييعها إلى قبرها. ذلك كله إلى بقية إهانته في زوجه التي كانت حديث الناس!!. فهو رجلٌ يَشهد له الجميعُ بأنه إبان وجوده في السلطة كان يَشهدُ الجنائز بنفسه، وقد شهد تَشييع جنازة ذلك العالم السُني الجليل(الشيخ أبوزيد محمد حمزة)، ولما افتقد ابنه السجينَ، الذي كان يقضى مدته حكمه في السِجن، أمر بأن يُؤتى به فورًا ليشهد تشييع والده ودفنه، وقد شوهد وهو يقف بقرب ذلك الابن السجين ساعة دفن والده.
أنت الآن أخي البرهان، قد آلت إليك ولايةُ الأمة، فإن ذلك الموثقَ الغليظَ سيبقى في عنقك، فأدرك نفسكَ بالوفاءِ به لربك، بإطلاق سراح الرجل واستسماحه عما ألحقتموه به من سوء معاملةٍ كانت نتيجةَ نكثِ ذلك العهد الذي أخذتموه على أنفسكم أمام ربكم.
نعم، فالأمرُ هنا أخي البرهان أمرُ دِينٍ وليس أمر سياسة زائلة، فأدرك نفسك بإيفاء ذلك العهد قبل أن يُلاقـي أحــدُكما ربه قـبلَ الآخر لا قدر الله. فإن مات هو قبلك، فسينتظرك هناك بحقه عليك، وإن مُتَ أنت قبله، فستنتظره هناك وانتَ تنوءُ بحِملِ ذلك الحق. وإنني لأسأل اللهَ تعالى صادقًا بألا يموتَ أحدكما قبل الآخر، قبل أن تُطلقَ سراحه وتستسمحه فيعفوَ عنك، فتلقى ربك سليم العاقبة في أمره. فأسرع بذلك أخي البرهان، وانتصر على نوازع نفسك وعلى حسابات السياسة في هذا الأمر، واجعل هذه الخطوة شكرًا لربك، على التوفيقِ الذي حباك به، بنجاح قيادتك لهذه الأمة المقاتلة، وعلى هزيمة عدوٍ كان يفوقكم عدة وعتادا، ومن ثَم هزيمةِ تلك الأمم التي تآمرت، ولا تزال تتآمر على بلادنا التي أنت تقودها الآن، حتى تلقى ربك وأنت في أمان، من ذلك الذي أُذكِرُكَِرك به، امتثالا لقول الله تعالى( وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ).
نصحي لك بكل ذلك، هو تذكير بقول النبي عليه الصلاة والسلام في وجوب الوفاء بالعهود، في الحديث الصحيح:( يُغفرُ للشهيدِ كل ذنبٍ إلا الدَين). والدَينُ الذي يتبادر إلى أذهان الناس هنا هو دَينُ المال فحسب، وهذا ليس صحيحا، فالمقصودُ بالدَين هنا،
هو حَقُ كلِ شخصٍ على شخصٍ آخر فهو دَين، سواءٌ كان ذلك الدَينُ مالاً لشخصٍ على شخص، أو ظلمًا ألحقه به مُتعمدًا، أو اغتيابًا له، أو بهتانًا قال به عليه. أو عهدًا قطعه له بفعلِ شيءٍ له ولم يفعل، وغير ذلك من حقوق الناس، فكل ذلك دينٌ. فإذا مات من عليه دينُ من تلك الديون قبل أن يفيَ لصاحبه به، أو يَستعفيه منه فيعفو له،
أو يُوصي بإيفائه له عنه، فإنه لا يُغفرُ لهُ ذلك الدينُ، ولو مات المَدينُ متعلقًا بأستار الكعبة! أو قُتل شهيدا، والشهادةُ هي أغلى ما يرزقه المرءُ فيموت عليه.
من تلك الديون الواجبةِ القضاء دينٌ خطيرٌ جدا وهو العهدُ، الذي يدور حديثنا حوله هنا، والذي يقول اللهُ تعالى فيه (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا) ويقول فيه الرســول عــليه الصــلاة والســلام (لا إيمانَ لمن لا أمانة له، ولا دِينَ لمن لا عهد له).أقول هذا أخي البرهان، وإنني أُعيذُ باللهِ نفسي وإياكَ ، وغيرَنا من المؤمنين، من أن نكونَ من هؤلاء الذين يصفهم الحديثُ الشريف أعلاه. ونسأل الله تعالى أن ألا يغيبَ عن خاطرنا جميعــًا قولُ الله تعالى:﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾.) البقرة: 281 اللهم آمين.
6 أبريل 2025