
في تطور قضائي لافت أعاد إلى الواجهة النقاش حول المسؤولية الطبية وحدود المحاسبة القانونية، تواجه الممرضة السودانية رانيا حسن أحمد علي حكماً نهائياً صدر بحقها على خلفية وفاة طفل أثناء تلقيه العلاج في أحد مستشفيات مدينة تبوك السعودية. القرار أثار جدلاً واسعاً داخل الأوساط الطبية والقانونية، وأطلق موجة نقاشات بين من يرى ضرورة إعادة النظر في الحكم ومن يؤكد أن انقضاء المهلة النظامية للطعن (30 يوماً) يجعل الحكم قطعياً وغير قابل للاستئناف.
ويرى خبراء قانونيون أن موقف الممرضة كان ضعيفاً خلال مراحل التقاضي الأولى بسبب غيابها عن بعض الجلسات وعدم وجود محامٍ للدفاع عنها، وهو ما اعتُبر خللاً أساسياً أضر بمسارها القانوني. غير أن فريق الدفاع أشار إلى وجود معطيات مهمة قد تُلقي بظلالها على القضية، منها أن الممرضة كانت مكلفة بمتابعة ثلاث حالات حرجة في وقت واحد، في مخالفة للمعايير الطبية، إضافة إلى فشل أجهزة المراقبة في إطلاق إنذار عند انخفاض نسبة الأكسجين لدى الطفل، ما يثير تساؤلات حول مسؤولية المستشفى والشركة المصنعة والمشرفين على الصيانة.
المحامي كمال الطاهر أوضح أن الحكم أصبح قطعياً بعد انقضاء المهلة، لكنه أكد أن فريق الدفاع يسعى لتقديم طعن أمام المحكمة العليا رغم ضآلة فرص النجاح، باعتبار أن المحكمة لا تنظر في وقائع جديدة بل في المسائل القانونية البحتة. من جهته، شدد المستشار القانوني كمال عبد العزيز على أن التركيز خلال مراحل التنفيذ انصب على الجانب المالي للقضية أكثر من جوهرها القانوني، مؤكداً أن فرص إعادة النظر كانت لتكون أوسع لو عولجت القضية منذ بداياتها في محكمة الموضوع.
وفي السياق ذاته، اعتبر المحامي بابكر سلك أن حصر المسؤولية في الممرضة وحدها يخالف القواعد القانونية، موضحاً أن القانون يقوم على مبدأ “التابع والمتبوع”، حيث تتحمل الجهة المشغِّلة ــ أي المستشفى ــ المسؤولية أمام المتضرر، على أن يتم تحديد دور الأفراد داخل المؤسسة لاحقاً. وأكد أن مقاضاة الممرضة مباشرة دون المستشفى يُعد خللاً جوهرياً، مشيراً إلى أن العدالة تقتضي النظر إلى مسؤوليات الإدارة الطبية، شركات التأمين، وحتى الشركة المصنعة للأجهزة المستخدمة.
القضية لم تبق في أروقة المحاكم فحسب، بل تحولت إلى قضية رأي عام أثارت موجة تعاطف واسعة في السودان وخارجه. فقد أطلق ناشطون حملة إنسانية لجمع قيمة الغرامة المفروضة على الممرضة، لقيت تجاوباً كبيراً من السودانيين المقيمين في المملكة العربية السعودية، حيث جُمعت المبالغ المطلوبة خلال فترة وجيزة، في خطوة اعتُبرت مثالاً على التضامن المجتمعي والإنساني.
ورغم أن الحكم أصبح نهائياً من الناحية القانونية، إلا أن أصداء القضية لا تزال تتردد في الأوساط المهنية والإعلامية، حيث يراها مراقبون مؤشراً على الحاجة إلى إصلاحات عميقة في نظام المحاسبة الطبية والقانونية، بما يضمن حماية حقوق المرضى وأسرهم من جهة، وحماية الكوادر الصحية من الوقوع ضحايا لثغرات مؤسسية من جهة أخرى. ويرى خبراء أن معالجة مثل هذه القضايا تستدعي تطوير آليات تشريعية واضحة لمساءلة المؤسسات الصحية بالتضامن مع الأفراد العاملين فيها، تجنباً لتكرار سيناريوهات مشابهة قد تهز الثقة في القطاع الطبي.