اخبار

مالك عقار يقدم خطاب تاريخي في مؤتمر الخدمة المدنية

متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز

حضرة نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد مالك عقار إير المحترم،

أتوجه إليكم اليوم، في ختام فعاليات مؤتمر الخدمة المدنية السودانية.

أصحاب المعالي الوزراء

السادة حكام الأقاليم وولاة الولايات

السيدات والسادة، الحضور الكريم، أيها الأخوة والأخوات، قادة الخدمة المدنية في السودان

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إنه لشرف عظيم أن أخاطب جمعكم الكريم في هذه اللحظات الختامية لمؤتمركم الهام، “مؤتمر الخدمة المدنية السودانية”، الذي ينعقد في منعطف تاريخي بالغ الدقة والأهمية لمسيرة وطننا العزيز.

إن هذا المؤتمر ليس مجرد لقاء رسمي أو إجراء روتيني، بل هو محطة تفكير عميق، ومنصة استراتيجية لاستشراف المستقبل، ومنارة فكر وتخطيط في وقت يستدعي منا جميعًا أعلى مستويات الوعي والمسؤولية، والعمل الجاد لإعادة بناء ما دمر وإصلاح ما أفسد.

إن انعقاد هذا المؤتمر بذاته تأكيد راسخ على استمرار عجلة الدولة، وأن إرادتنا الوطنية نحو البناء والتطوير أقوى وأصلب من معاول الهدم والتخريب. وهو تأكيد على الأهمية القصوى للتفكير العلمي والمنهجي والعمل المتواصل من أجل تطوير الأداء الحكومي، فالإدارة الحكومية ليست كيانًا جامدًا، بل هي منظومة حيوية تتطور وتتكيف لخدمة أهداف أمتنا وتحقيق تطلعات مواطنيها.

أيها الحضور الكريم،

لا يسعني إلا أن أتوجه بتحية إجلال وتقدير، باسمي ونيابة عن زملائي في مجلس السيادة وعموم الشعب السوداني، إلى كل فرد منكم، أنتم، رجال ونساء الخدمة المدنية السودانية. أنتم الذين تقفون في الصفوف الأمامية لتقديم الخدمات الأساسية لمواطنينا، وأنتم الذين واجهتم بصمود وبسالة التحديات الجسام التي فرضتها حرب الملي شيا المتمردة وعدوانها الغاشم على دولتنا ومؤسساتنا وأهلنا. وكما شهد تاريخنا، وحتى بشهادة المستعمر، كانت الخدمة المدنية السودانية رائدة ومنضبطة، تعمل بتناغم قانوني رفيع، إلى أن طالها التدخل السياسي والمحسوبية. لقد تحملتم الصعاب وثبتم في مواقعكم رغم الدمار الممنهج الذي استهدف البنى التحتية والمقرات، ورغم المخاطر التي تعرضتم لها، فكنتم بحق الركيزة الصلبة للدولة السودانية في أحلك الظروف. إن صمودكم هذا ما هو إلا تجسيد لروح الوطنية العالية والانتماء الأصيل لهذا الوطن.

إن انعقاد مؤتمر الخدمة المدنية السودانية اليوم هو في جوهره إعلان إرادة وطنية للحياة في وجه الحرب والدمار والخراب الذي تنشره الملي شيا ومن يقف خلفها من قوى إقليمية خبيثة، وإشهار لعهد جديد قوامه: ترسيخ دولة المؤسسات، واستعادة فعالية وانضباط الوظيفة العامة، وبناء جهاز خدمة مدنية يليق بتطلعات شعبنا وصمود أمتنا.

إن هذا المؤتمر يضع أمام أعيننا أهدافًا علمية وعملية واضحة لمستقبل الخدمة المدنية في السودان. فالمواطن السوداني هو البوصلة والغاية. يجب أن يرتكز تطوير جهاز الدولة الإداري على خدمته، وتسهيل حياته، وضمان حقوقه. وهذا يتطلب منا الآتي:

أولاً: مكافحة الفساد وتأسيس دولة المواطنة: إن اجتثاث الفساد المالي والإداري، والقضاء التام على المحسوبية والواسطة، وتفكيك كافة أشكال التمكين السياسي البغيض الذي استشرى في جسد الدولة في العهود السابقة، ليس مجرد هدف، بل هو ركن أساسي وعقيدة راسخة لبناء دولة المواطنة الحقة. دولة تقوم على العدالة والمساواة والمواطنة بلا تمييز وتكافؤ الفرص، لا تفاضل فيها بين مواطن وآخر إلا بالكفاءة والنزاهة والولاء للوطن.

ثانياً: بيئة إدارية فاعلة ورشيقة: يجب أن نسعى جاهدين لبناء جهاز إداري يتميز بالفعالية والكفاءة، يكون رشيقًا في إجراءاته، سريعًا في استجابته لاحتياجات المواطنين، بعيدًا عن البيروقراطية المعيقة. بيئة إدارية مهيئة للمواطن، تسهل عليه الوصول إلى الخدمات .

ثالثاً: الاستثمار في الخبرات والتكنولوجيا: إن جهاز الخدمة المدنية السودانية يزخر بخبرات إدارية ومهنية متراكمة عبر عقود. يجب علينا تثمين هذه الخبرات والبناء عليها وتطويرها من خلال تبني التقدم العلمي والتكنولوجي الهائل. إن التحول الرقمي، وأتمتة الإجراءات، والاستفادة من الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في تحسين الأداء الحكومي لم تعد رفاهية، بل ضرورة حتمية لمواكبة العصر وتقديم خدمات عصرية وفعالة.

رابعاً: تطوير الأطر التشريعية: لا يمكن تحقيق التطوير المنشود دون مراجعة وتحديث الأطر التشريعية وقوانين العمل التي تحكم الخدمة المدنية. يجب أن تكون هذه القوانين محفزة للأداء المتميز، ضامنة للحقوق والواجبات، مرنة بما يكفي لاستيعاب المتغيرات ومواجهة التحديات، وداعمة لمبادئ الشفافية والمساءلة. وأخص بالذكر تسهيل التنقلات بين المؤسسة الواحدة والمؤسسات ذات الصلة دون محاباة أو استثناءات غير مبررة.

خامساً: بناء القدرات وتنمية الأجيال: إن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الأنجح. يجب أن نولي اهتمامًا خاصًا ومستمرًا لبرامج التدريب والتأهيل وتطوير القدرات لكافة العاملين في الخدمة المدنية. كما يجب أن نركز على بناء وتنمية جيل جديد من الموظفين العموميين يتمتعون بالمهارات الحديثة والقيم الوطنية الراسخة، مع ضمان آلية فعالة لنقل الخبرات بين الأجيال لضمان الاستمرارية والتراكم المعرفي.

تحديات ما بعد الحرب والتفكير الإبداعي:

أيها الأخوة والأخوات،

إنني أدرك تمامًا حجم التحديات الهائلة التي نواجهها في مرحلة ما بعد الحرب. إن مهمة إعادة البناء والتعمير، وإصلاح الخراب الذي خلفته آلة التدمير للملي شيا في شتى مناحي الحياة، تتطلب جهدًا استثنائيًا وتفانيًا لا حدود له، وتقع على عاتقكم، أنتم أهل الخدمة المدنية، مسؤولية كبرى في هذه المرحلة.

هذه الظروف الاستثنائية تستدعي منا تفكيرًا استثنائيًا. أكرر، تفكيرًا إبداعيًا. يجب أن نتحلى بالجرأة لابتكار الحلول، وأن نفكر خارج الصندوق لإيجاد طرق وآليات جديدة لخدمة المواطنين، خصوصًا في ظل ظروف النزوح والتهجير التي يعاني منها قطاع واسع من شعبنا. يجب أن نضع معاناة أهلنا النازحين والمهجرين في صلب اهتمامنا، وأن نبتكر حلولًا إدارية مرنة ومبتكرة لتسهيل حصولهم على الخدمات الأساسية والمستندات الضرورية ودعمهم في هذه المحنة. الفعالية العالية، والتفاني، والقدرة على التكيف والابتكار هي مفاتيح النجاح في هذه المرحلة.

إن الحرب التي أشعلتها قوى الغدر والدمار لم تكن مجرد عدوان مسلح، بل كانت محاولة منظمة لتحطيم أسس الدولة السودانية، وتفكيك بنيانها المؤسسي، وضرب جهازها الإداري في مقتل. ولقد كان صمودكم، رغم الدمار الشامل الذي خلفته الملي شيا المتمردة، صمودًا أسطوريًا، وحجر الزاوية الذي حافظ على وجود الدولة السودانية، رغم أنف المعتدين. ونحن اليوم أمام مسؤوليات جسيمة:

  • مسؤولية إعادة البناء الوطني الشامل.
  • مسؤولية ترميم ما دمرته الحرب.
  • مسؤولية استعادة الثقة في الدولة ومؤسساتها، دون المساس بهياكلها.

 

ويقف القطاع العام السوداني، وفي مقدمته الخدمة المدنية، حجر الزاوية في هذه المعركة المصيرية. ولكن إعمار ما خربته الحرب لا يتحقق بالأماني، ولا يدار بالارتجال، وإنما يتطلب جهاز خدمة مدنية مهنيًا، فاعلًا، رشيقًا، متطورًا، منضبطًا بمعايير النزاهة والكفاءة والشفافية. لذلك، نؤكد بوضوح وجلاء أن إصلاح الخدمة المدنية هو مهمة وطنية لا تقبل التأجيل، ولا تحتمل التهاون، وأنا، بصفتي المشرف على الجهة المعنية بالخدمة المدنية وهي وزارة العمل، لن أتراخى في هذه القضية.

ختامًا 

أيها الجمع الكريم

تأكيدًا على خطاب السيد الرئيس في افتتاح هذه الفعالية، نؤكد أن مجلس السيادة والحكومة يوليان أهمية قصوى لتطوير الخدمة المدنية، ويعولان كثيرًا على إنفاذ مخرجات هذا المؤتمر، ونؤكد التزامنا بتوفير الدعم اللازم لتحقيق الأهداف الطموحة لهذا المؤتمر. ثقتنا كبيرة في قدرتكم، وفي حكمتكم، وفي ولائكم لهذا الوطن.

فلنجعل من هذا المؤتمر نقطة انطلاق حقيقية نحو خدمة مدنية سودانية حديثة، فعالة، نزيهة، تليق بتطلعات شعبنا العظيم. معًا، بتكاتفنا وعملنا الدؤوب وإخلاصنا، سنبني سودان الغد، دولة الحرية والسلام والعدالة، دولة التقدم والازدهار التي شعارها الفعالية والمواطنة بلا تمييز.

وفقنا الله جميعًا لما فيه خير وطننا وشعبنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

profile picture

اضغط هنا للانضمام الى مجموعاتنا في واتساب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى