العد التنازلي للمواجهة التجارية .. هل يشعل ترامب حرب الرسوم العالمية؟
متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز
يُحبس العالم أنفاسه مع اقتراب تاريخ 9 يوليو، الموعد النهائي للمهلة التي حددها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدول لتجنب وابل من الرسوم الجمركية العقابية. كانت الأسواق العالمية قد اهتزت بالفعل في أبريل الماضي عندما كشف ترامب عن خطته المثيرة للجدل، “يوم التحرير”، التي تهدد بفرض رسوم تصل إلى 50% على واردات من عشرات الدول. ورغم تعليق هذه الإجراءات لمدة 90 يومًا لإتاحة الفرصة للمفاوضات، إلا أن الغيوم الداكنة لا تزال تخيم على مستقبل التجارة العالمية، كما ورد في تقرير مفصل للجزيرة.
مفاوضات اللحظة الأخيرة: تصعيد التهديدات وتوقيع اتفاقيات محدودة
مع انتهاء المهلة، تبدو إدارة ترامب عازمة على المضي قدمًا. فقد صرح ترامب الأحد الماضي بأنه سيبدأ هذا الأسبوع بإرسال إشعارات رسمية إلى الدول التي لم توقع اتفاقيات تجارية، موضحًا النسب الجديدة للرسوم. وأكد أنه أبرم اتفاقيات مع “معظم الدول” دون تحديد أسماء. وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، شدد لشبكة “سي إن إن” على أن الرسوم ستدخل حيز التنفيذ في الأول من أغسطس المقبل، وستعود إلى مستوياتها المعلنة في أبريل، نافيًا أي تمديد جديد للمهلة.
لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو تلويح ترامب يوم الجمعة الماضي بإمكانية رفع الرسوم إلى مستوى غير مسبوق يبلغ 70%، في تصعيد أربك الأسواق. وترافق ذلك مع تهديد مفاجئ آخر أعلنه الرئيس على منصته “تروث سوشيال” بفرض رسوم إضافية بنسبة 10% على الدول المتحالفة مع سياسات مجموعة بريكس (الصين، روسيا، الهند، البرازيل، جنوب أفريقيا، ودول أخرى انضمت مؤخرًا).
سباق العواصم لتجنب المواجهة: اتفاقيات مؤقتة وقلق أوروبي وهندي
في خضم هذه الفوضى المتزايدة، تسارع العواصم لإبرام اتفاقيات لتجنب المواجهة التجارية. حتى الآن، أُبرمت ثلاث اتفاقيات معلنة فقط: مع الصين والمملكة المتحدة وفيتنام. نجحت الصين في تخفيض الرسوم على وارداتها من 145% إلى 30%، في حين انخفضت الرسوم المفروضة على الصادرات الأمريكية إليها من 125% إلى 10%. ومع ذلك، كان الاتفاق مجرد تجميد لمدة 90 يومًا، دون حل فعلي للمشاكل العالقة.
أما بريطانيا، فقد حافظت على نسبة 10% كرسوم جمركية على صادراتها، بينما شهدت فيتنام تخفيضًا في رسومها من 46% إلى 20%، إلى جانب فرض 40% على السلع المعاد تصديرها عبرها.
في الكواليس، تتحرك قوى اقتصادية كبرى مثل الاتحاد الأوروبي والهند للتوصل إلى حلول سريعة. كشف تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” (نقلته الجزيرة) أن الاتحاد الأوروبي يسعى لإبرام “اتفاق هيكلي” يجنبه الرسوم الأمريكية مؤقتًا، على أن تؤجل الملفات الخلافية الكبرى إلى وقت لاحق. وفي الهند، أفادت شبكة “سي إن بي سي” بأن نيودلهي تقترب من توقيع “اتفاق مصغر” في غضون 48 ساعة، بمتوسط رسوم يبلغ نحو 10%.
تداعيات محتملة على الاقتصاد العالمي: تراجع النمو وتغيرات في سوق العمل
يرى خبراء (نقل عنهم موقع الجزيرة الإنجليزية) أن ترامب سيعلن عن عدد محدود من الاتفاقيات المشابهة لتلك التي وقعتها الصين وفيتنام وبريطانيا، لكنه سيبقي على التهديد الفعلي بفرض رسوم شاملة على بقية الدول. أوضح المحامي أندرو ماكاليستر من شركة “هولاند آند نايت” للجزيرة الإنجليزية أن “الرسوم الجمركية ستبقى، لكن الاختلاف سيكون في مستوى النسبة”، مشيرًا إلى أن الإدارة الأمريكية ستفرض النسب الأعلى على الدول التي تعتبرها تعرقل المنتجات الأمريكية عبر حواجز جمركية أو غير جمركية.
من حيث الأثر الاقتصادي، تشير تقديرات البنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية إلى أن استمرار هذه الرسوم قد يضعف النمو الاقتصادي العالمي. فقد خفض البنك الدولي توقعاته من 2.8% إلى 2.3%، بينما خفضت المنظمة توقعاتها من 3.3% إلى 2.9%. ووفقًا لتقديرات “جيه بي مورغان”، فإن فرض رسوم عامة بنسبة 10% (و110% على الصين تحديدًا) سيؤدي إلى تقليص الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 1%. أما إذا اقتصر الأمر على فرض رسوم بنسبة 60% على الصين، فسيكون الانكماش في حدود 0.7%.
حتى اللحظة، لم تظهر آثار دراماتيكية على الأسواق، فمعدل التضخم الأمريكي في مايو الماضي بلغ 2.3% فقط، وهو قريب من هدف الاحتياطي الفدرالي. كما أضاف الاقتصاد الأمريكي 147 ألف وظيفة في يونيو الماضي، متجاوزًا التوقعات. ومع ذلك، تُظهر بعض المؤشرات حالة من الترقب الحذر، فقد تراجع الإنفاق الاستهلاكي بنسبة 0.1% لأول مرة منذ يناير الماضي، مما يشير إلى احتمالية كبح جماح الطلب في الأشهر المقبلة.
اختتمت وكالة “آي إن جي” الهولندية تحليلها الأسبوعي بالقول إن “تأجيل الرسوم على الصين أنقذ الاقتصاد العالمي من ركود محتمل، لكن من المبكر إعلان النجاة الكاملة”. وأضافت الوكالة أن “سوق العمل هو آخر مكان تظهر فيه أضرار الصدمات الاقتصادية، لذا فإن استقرار التوظيف لا يعني أننا تجاوزنا الخطر بعد”.
المستقبل الغامض للتجارة العالمية
في نهاية المطاف، يبدو أن الأيام المقبلة ستحدد معالم النظام التجاري العالمي لعقود قادمة. وبينما يسارع القادة لإنقاذ اقتصاداتهم من فخ ترامب الجمركي، يترقب العالم ما إذا كانت واشنطن ستفي بتهديداتها، أم ستبقي على الغموض كسلاح دائم في حرب تجارية بلا نهاية واضحة.
المصدر: الجزيرة