بترول وغاز العرب على حافة الدمار… والعالم يواجه أكبر كارثة اقتصادية
متابعات _ اوراد نيوز

متابعات _ اوراد نيوز
يهدد التصعيد الأخير بين إيران وإسرائيل، الذي بلغ ذروته بهجمات إسرائيلية واسعة على منشآت إيرانية حيوية (نووية وعسكرية واقتصادية ومدنية)، بتحويل التوتر الإقليمي في الشرق الأوسط إلى أزمة طاقة عالمية غير مسبوقة. هذا التصعيد لا يقتصر تأثيره على إعادة تشكيل الخرائط الجيوسياسية فحسب، بل يزعزع استقرار أسواق النفط والغاز العالمية، مما ينذر بواحدة من أخطر الأزمات الاقتصادية المحتملة في القرن الحادي والعشرين.
الشرق الأوسط: قلب الطاقة العالمي النابض
يُعد الشرق الأوسط الركيزة الأساسية لمنظومة الطاقة العالمية، ليس فقط لوفرة موارده الهائلة، بل لضمه نخبة من كبار منتجي ومصدري النفط والغاز عالميًا. دول مثل السعودية، إيران، العراق، الإمارات، الكويت، وقطر تُشكل عصب الإمداد العالمي بالوقود الأحفوري، مما يجعله الشريان الحيوي الذي يغذي الاقتصاد العالمي، وخاصة في آسيا وأوروبا.
ومع تحول منشآت الإنتاج، وحقول النفط والغاز، وخطوط الأنابيب إلى أهداف عسكرية إثر الهجمات الإسرائيلية على منشآت النفط والغاز الإيرانية، يتزايد خطر هشاشة الإمدادات. هذا الوضع يهدد بإعادة سيناريوهات أزمات الطاقة الكبرى، مثل أزمة سبعينيات القرن الماضي. أي اضطراب في هذه المنطقة سيؤدي حتمًا إلى ارتفاع حاد في الأسعار، وارتباك في الأسواق، وقلق عميق في العواصم العالمية.
عمالقة الإنتاج وتحديات المستقبل
يُعد الشرق الأوسط منطقة محورية لعمل أسواق الطاقة العالمية، حيث يضم 5 من أكبر 10 منتجين للنفط عالميًا (السعودية، العراق، الإمارات، إيران، والكويت)، و3 من أكبر 20 منتجًا للغاز (إيران، قطر، والسعودية). في عام 2022، شكلت المنطقة أكثر من 40% من صادرات النفط العالمية، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
يُبرز تصاعد الصراع بين إيران وإسرائيل، إلى جانب الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، المخاطر المستمرة التي تواجه أمن الطاقة العالمي. أي تأثير أو نقص في إمدادات النفط والغاز القادمة من المنطقة سيكون له تداعيات اقتصادية هائلة، خاصة على الاقتصادات الناشئة في آسيا. فمن المتوقع أن ترتفع حصتها من واردات النفط الخام العالمية من 40% حاليًا إلى 60% بحلول عام 2050، في سيناريو يلبي الأهداف الوطنية لهذه الدول. تُسهم المنطقة بدور كبير في الأسواق العالمية بصفتها منتجًا للنفط والغاز بتكلفة منخفضة، حسب تقرير آخر لوكالة الطاقة الدولية.
السعودية: الريادة النفطية
في عام 2023، صدرت منطقة الشرق الأوسط نحو 17.24 مليون برميل من النفط يوميًا، من إجمالي الصادرات العالمية البالغة 43.83 مليون برميل يوميًا، مما يجعلها أكبر منطقة مصدرة للنفط عالميًا، وفقًا لبيانات منظمة أوبك. هذا يؤكد الدور المحوري للمنطقة في تأمين إمدادات الطاقة للأسواق العالمية.
تتصدر السعودية المشهد بإنتاج يبلغ حوالي 9 ملايين برميل يوميًا، وهو أقل من طاقتها الإنتاجية القصوى. يعود هذا الانخفاض إلى قرار خفض الإنتاج الذي بدأ في يوليو/تموز 2023 وتم تمديده حتى نهاية الربع الثاني من عام 2024، بالتنسيق مع تحالف أوبك بلس. تسيطر المملكة أيضًا على 17.2% من احتياطات النفط العالمية المؤكدة، مما يجعلها موردًا رئيسيًا في سوق الطاقة العالمي، وفقًا لمجموعة “جت غلوبال غروب”.
في مجال الغاز الطبيعي، تُعد قطر وإيران من أهم الدول في المنطقة، وتستحوذان معًا على حصة كبرى من سوق الغاز المسال العالمي. تضم قطر حقل الشمال، أكبر حقل غاز في العالم، بينما تمتلك إيران ثاني أكبر احتياطات غاز مؤكدة عالميًا بعد روسيا. وتواصل صادرات قطر من الغاز ازدهارها، مدفوعة بتزايد الطلب العالمي.
الممرات البحرية: شريان الطاقة العالمي
تكتسب المنطقة أهمية خاصة بفضل احتوائها على الممرات البحرية الحيوية التي تُنقل عبرها الطاقة إلى الأسواق العالمية، وأبرزها مضيق هرمز وباب المندب.
ماذا لو أُغلقت مضيقي هرمز وباب المندب؟
مضيق هرمز: يقع مضيق هرمز بين سلطنة عمان وإيران، ويُشكل بوابة استراتيجية تربط الخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب. يُعد أهم ممر نفطي في العالم، حيث تعبر من خلاله كميات ضخمة من صادرات النفط يوميًا. وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، بلغ متوسط تدفق النفط عبر المضيق في عام 2022 نحو 21 مليون برميل يوميًا، أي ما يعادل حوالي 21% من إجمالي الاستهلاك العالمي للنفط، مما يعكس أهميته الحيوية لأمن الطاقة العالمي. وذكرت وكالة رويترز أن خُمس استهلاك النفط والمكثفات والوقود العالمي (نحو 20 مليون برميل يوميًا) يمر عبر المضيق.
باب المندب: يُعد مضيق باب المندب حلقة وصل استراتيجية بين الخليج العربي وقناة السويس المصرية والبحر المتوسط، ويُشكل ممرًا حيويًا لصادرات النفط والغاز المتجهة إلى أوروبا. في عام 2024، بلغ متوسط كمية النفط العابرة للمضيق نحو 4 ملايين برميل يوميًا، بانخفاض حاد مقارنة بـ 8.7 ملايين برميل يوميًا في عام 2023، وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية. يُعزى هذا التراجع الكبير إلى تقلص حركة ناقلات النفط عبر البحر الأحمر نتيجة الهجمات المتكررة التي شنتها جماعة الحوثي اليمنية على سفن متجهة إلى إسرائيل أو تابعة لتحالف يستهدفهم، مما زاد من اضطرابات سلاسل الإمداد وأثار مخاوف جدية بشأن أمن الطاقة العالمي.
أي تهديد لأي من مضيقي هرمز أو باب المندب، كما لوحت إيران مرارًا، ينذر بشلل اقتصادي عالمي وارتفاع جنوني في أسعار الطاقة.
توقعات أسعار النفط: شبح الارتفاع
تهدد إيران حاليًا بإغلاق مضيق هرمز بعد الهجوم الإسرائيلي واسع النطاق وغير المسبوق عليها. كما أنها قادرة، بمساعدة حلفائها الحوثيين في اليمن، على إغلاق مضيق باب المندب، مما يضع إمدادات الطاقة العالمية في خطر شديد.
على الرغم من أن إنتاج إيران من النفط يبلغ نحو 3.3 ملايين برميل يوميًا فقط، أي ما يعادل حوالي 2% من الإنتاج العالمي وفقًا لتقديرات “ستاندرد آند بورز”، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في حجم إنتاجها، بل في قدرتها على تهديد حركة الشحن البحري عبر مضيق هرمز، وفقًا لصحيفة فايننشال تايمز.
وفقًا لتحليل شركة “آي إن جي بارينغز”، فإن أسوأ سيناريو محتمل يتمثل في إغلاق المضيق لفترة طويلة، مما قد يؤدي إلى مضاعفة أسعار النفط لتصل إلى مستويات قياسية تُقدر بـ 150 دولارًا للبرميل، كما نقلت صحيفة فايننشال تايمز.
الخلاصة: أمن الطاقة رهين الصراع الإقليمي
من قلب الحقول المشتعلة والأسواق المرتبكة، تُؤكد المواجهات بين إيران وإسرائيل أن أمن الطاقة العالمي لم يعد مجرد مسألة اقتصادية بحتة، بل أصبح رهينة لصراعات إقليمية متفجرة في أكثر مناطق العالم حساسية. مع اعتماد الاقتصاد العالمي، خاصة في آسيا وأوروبا، على نفط وغاز الشرق الأوسط، فإن أي تصعيد عسكري جديد يهدد بتحويل التوتر السياسي إلى أزمة اقتصادية عالمية كبرى.
لا يزال الشرق الأوسط يحتفظ بموقعه كالمصدر الأول للطاقة، لكن هذا الدور الاستراتيجي يزداد هشاشة مع كل طلقة نار. وفي ظل غياب حلول سياسية دائمة، وتصاعد التوسع الإسرائيلي الذي لا يعرف حدودًا ولا يعترف إلا بشرعية القوة، يبقى أمن الطاقة العالمي عرضة للتقلبات والمخاطر. يظل الاقتصاد العالمي في حالة تأهب دائم لأي شرارة جديدة قد تندلع في قلب هذه المنطقة الحيوية التي هي بمثابة قلب العالم كله.