
متابعات _ اوراد نيوز
تُمثل المناجم الغنية في جنوب السودان فرصة ذهبية لتحويل مسار الدولة اقتصاديًا، نظرًا لإمكانياتها الجيولوجية الهائلة التي تتطلب استثمارات فعّالة وإصلاحات تنظيمية شاملة. فبعد مرور أكثر من عقد على الاستقلال، لا تزال الغالبية العظمى من الثروات المعدنية للبلاد غير مستغلة، حيث تُستخرج بأساليب تقليدية لا تُسهم بشكل ملموس في الاقتصاد الوطني.
تهريب الذهب: نزيف الثروات الوطنية
على الرغم من التحديات المتراكمة، تُشير التقارير الرسمية إلى تصدير عشرات الأطنان من الذهب سنويًا، غالبيتها خارج الإطار القانوني. وتُفيد تقارير منصة الطاقة المتخصصة (ومقرها واشنطن) أن حجم الذهب المهرب من جنوب السودان يتجاوز 40 طنًا سنويًا، ويرجع ذلك إلى ضعف الرقابة على المنافذ الحدودية ومحدودية قدرة الدولة على ضبط أنشطة التعدين العشوائي. يعتمد التعدين حاليًا في جنوب السودان على الأساليب الحرفية التي يمارسها السكان المحليون في ولايات مثل شرق الاستوائية، وشرق أعالي النيل، وغرب بحر الغزال. ومع ذلك، لا تتوفر حتى الآن خرائط رسمية دقيقة توضح الحجم الحقيقي للاحتياطيات.
مناطق التعدين الرئيسية والاحتياطيات الواعدة
تُعد منطقة كابويتا في ولاية شرق الاستوائية ومقاطعة بودي المجاورة لها من أبرز وأكبر مناطق إنتاج الذهب في جنوب السودان، حيث تشهد نشاطًا حرفيًا مكثفًا يمثل جوهر التعدين التقليدي. كما تُعد مناطق لوري العلوي والسفلي على ضفاف نهر لوري من المواقع البارزة لاستكشاف الذهب، بالإضافة إلى مواقع نيانغيا، بونو، نابوتبوت، ونمولي. تُقدر تركيزات الذهب في بعض هذه المناطق بـ4 جرامات لكل متر مكعب، خاصة بالقرب من ضفاف الأنهار، مما يُشير إلى وجود رواسب غرينية ذات قيمة تجارية. وقد تم توثيق أكثر من 50 موقعًا رسوبيًا واعدًا بالقرب من جوبا والحدود الأوغندية، مما يضع هذه المناطق في صدارة قائمة أبرز المناجم في جنوب السودان.
تنوع الثروات المعدنية في جنوب السودان
تُظهر التكوينات الجيولوجية للبلاد أن معادن جنوب السودان لا تقتصر على الذهب، بل تضم احتياطيات كبيرة من معادن أخرى، بما في ذلك:
* النحاس
* الحديد
* الكروم
* المنغنيز
* الرخام
* مؤشرات على اليورانيوم
تُشير بعض الخرائط الجيولوجية إلى امتلاك جنوب السودان حزامين من الحجر الأخضر، يتماشيان من حيث الخصائص مع رواسب ضخمة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا المجاورة، مما يعزز فرضية توفر معادن استراتيجية بكميات تجارية.
تحديات تعرقل التنمية في قطاع التعدين
تُشير التقديرات إلى خسارة البلاد نحو 40 طنًا من الذهب سنويًا بسبب التهريب، لا سيما من مناطق مثل كابويتا وبورو. تنتشر عمليات التعدين غير المشروعة في غياب هيكل رقابي قوي، بينما لا يلمس المواطنون المحليون أي تحسن في مستوى معيشتهم رغم استخراج الثروات من أراضيهم. تُعد قضايا ضعف الرقابة، وتراجع دور المؤسسات، وعدم تطبيق قانون التعدين الصادر عام 2012، من أكبر التحديات التي تعرقل تنظيم عمل قطاع التعدين. كما وُجّهت اتهامات لشركات أجنبية بالدخول باسم “الاستكشاف” دون توفير معدات أو ضخ استثمارات حقيقية.
جهود حكومية محدودة وآمال مستقبلية
أعلنت وزارة التعدين عن توقيع اتفاقيات مع شركات من الصين والإمارات لجذب الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى نشر موظفين حكوميين في مطار جوبا الدولي لمكافحة تهريب المعادن. كما تم التفاهم مع جهات صينية لرسم خرائط جيولوجية حديثة، على الرغم من أن المشروع يواجه تحديات تتعلق بالتكلفة والوقت.
يمكن أن يتحول قطاع التعدين إلى محرك تنموي بديل عن النفط، خاصة في ظل هشاشة إيرادات النفط نتيجة للحرب في السودان، شريطة استغلال أبرز المناجم في جنوب السودان بطريقة منظمة. يُعد إنشاء منتدى تعدين سنوي ضمن “معرض جنوب السودان للنفط والطاقة” مؤشرًا على الرغبة الرسمية في النهوض بالقطاع، لكنه لا يزال بحاجة إلى إرادة سياسية قوية، واستثمارات جادة، وبنية تحتية تواكب حجم الثروات الكامنة.