
متابعات _ اوراد نيوز
في تلاقي فريد بين الصدفة والبحث العلمي الدقيق، أفضى غلاف ورقي مهمل عُثر عليه في قبو أرشيف جيولوجي بولاية بافاريا الألمانية إلى كشف استثنائي لمعدن الهومبولتين (Humboldtine)، وهو أحد أندر المعادن على وجه الأرض، والذي لم يُسجَّل وجوده إلا في بضع نقاط حول العالم.
مفاجأة بين طيات الماضي
تعود فصول هذه القصة المدهشة إلى عام 2023، عندما كان فريق من الباحثين، بقيادة الجيولوجي رولاند آيكهورن من مكتب ولاية بافاريا للبيئة، منهمكًا في مشروع لرقمنة أرشيف العينات المعدنية. خلال عملية الفرز الروتينية، لفت انتباه أحد الفنيين صندوقٌ قديم يكسوه الغبار، احتوى بداخله على مذكرة كتبها مالك منجم فحم في عام 1949، وفقًا لما ذكرته صحيفة “مترو” البريطانية.
أشارت الوثيقة إلى وجود عينة من معدن “الهومبولتين” جُمِعت من منجم ماتياس بالقرب من مدينة شفاندورف، وهو منجم فحم بني أُغلِق أبوابه منذ عقود. دفعت هذه الإشارة الفريق إلى تدقيق محتوى الصندوق بعناية فائقة، ليكتشفوا ست كتل صفراء اللون لم تكن مدرجة ضمن السجلات الجيولوجية المحفوظة.
ثاني أكبر عينة عالميًا: نظرة عن قرب على الهومبولتين
بعد إخضاع الكتل لتحليلات مخبرية دقيقة، تأكد أنها بالفعل معدن الهومبولتين، المعروف بصيغته الكيميائية FeC₂O₄·2H₂O. يُصنَّف هذا المعدن ضمن فئة المعادن العضوية النادرة، ويُعتقد أن تكوينه يتطلب ظروفًا بيئية بالغة الدقة.
حتى يومنا هذا، لم يُعثَر على الهومبولتين إلا في حوالي 30 موقعًا فقط حول العالم، وغالبًا ما تكون الكميات المكتشفة منه ضئيلة للغاية. وفي تصريح لصحيفة فيلت الألمانية، أوضح آيكهورن: “حتى الآن، لم يُعثر سوى على كمية بحجم كرة الثلج من هذا المعدن… وما وجدناه يُعد ثاني أكبر اكتشاف للهومبولتين على الإطلاق.”
نافذة علمية قبل فوات الأوان
يُشار إلى أن منجم ماتياس قد أُغلق في ستينيات القرن الماضي وغمرته المياه لاحقًا، مما يجعل العودة إليه للاستكشاف الميداني أمرًا مستحيلًا في الوقت الحالي. لذا، تمثّل هذه العينة النادرة فرصة فريدة للبحث العلمي المتعمق في خصائص الهومبولتين، قبل أن تضيع إمكانية دراسته ميدانيًا بشكل دائم.
يُسلط هذا الاكتشاف النادر الضوء مجددًا على القيمة الجوهرية للأرشيفات الجيولوجية ودورها الحيوي في صون المعرفة العلمية؛ فكثيرًا ما تكون وثيقة منسية أو عينة غير مصنفة هي المفتاح لاكتشافات علمية حاسمة بعد مرور عقود.